"لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ" الوحي وعصمة الكتاب المقدسThe Inspiration and the Inerrancy of the Scripture |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
تقديم ⇑ لقد سعدت أيَّما سعادة حين قرأت أصول هذا الكتاب الثمين قبل طبعه، وأعجبت به كل الإعجاب. ولذلك فإنه يشرفني أن أكتب تقديماً له. هذا كتاب قيم ومهم وأهميته ترجع إلى عدة صفات اختص بها وهي: موضوعه ومادته ومراجعه ومؤلفه وموعد صدوره. أما موضوع الكتاب، فهو خطير وحيوي، فهو وحي وعصمة الكتاب المقدس وصدق كل ما جاء فيه، ولا شك أن صدق الكتاب المقدس هو أمر ضروري ليكون الكتاب - كما أراداه الله أن يكون- الأساس الراسخ الذي نأخذ منه ونبني عليه كل معتقداتنا المسيحية. أما مادة الكتاب فهي غنية بدراسة علمية مستفيضة واستعراض لمختلف آراء اللاهوتيين المعارضيين والمؤيديين لصدق الكتاب المقدس بأمانة الباحث المدقق. كما احتوى الكتاب على بحث وافٍ عن قانونية الأسفار المقدسة في العهدين، وأسفار الأبوكريفا والأناجيل الغنوسية المزيفة. كما اشتمل الكتاب على دراسة وافية لأهم المخطوطات الأصلية القديمة لأسفار عهدي الكتاب المقدس. أما مراجع الكتاب فهي تؤكد وتوثق ما جاء في الكتاب من معلومات قيمة. وأما مؤلف الكتاب، الدكتور القس أشرف عزمي، فقد سعدت جداً بالتعرف عليه مؤخراً، لأني وجدت فيه التقوى والغيرة في خدمة الرب بأمانة وسعة الإطلاع وأحببت فيه شهادته الصريحة بإيمانه الصحيح. والمؤلف باحث أكاديمي حائز على درجة الدكتوراة ويتقِّن المنهج العلمي في البحث، وهو بهذا الكتاب وبإعلانه عن إيمانه بصدق وحي الكتاب المقدس يدحص إدعاء المشككين بأن المؤمنين بصدق الكتاب هم غير الأكاديميين الذين غيّبوا عقولهم. أما عن موعد صدور الكتاب، فهو يصدر في وقت نحن في أشد الحاجة إليه، لأن رياح الليبرالية والتحرر من سلطان كلمة الله باتت تهب في هذه الأيام على كنيستنا المصرية الإنجيلية الحبيبة، آتية إلينا من حطام حركة النقد الأعلى للكتاب المقدس التي بدأت في الغرب وتحطمت هناك على صخرة الكتاب المقدس. إني أصلي أن يبارك الرب ابنه العزيز الدكتور القس أشرف عزمي، وأتمنى أن يقتني ويدرس هذا الكتاب كل دراسي اللاهوت وكل مدرسي اللاهوت وكل خادم في الملكوت.
الدكتور مفيد إبراهيم سعيد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مقدمة ⇑
من بين كل العقائد المسيحية لا توجد عقيدة أهم من عقيدة الكتاب المقدس وذلك لأن الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للمعرفة الحقيقة عن الله، ففيه أعلن الله لنا عن نفسه وعن عمله ومقاصده ومنه نعرف عن يسوع المسيح، الكلمة الذى صار جسداً وحل بيننا، نعرف عن لاهوته وناسوته، نعرف لماذا تجسد وكيف مات وصلب من أجل خطايانا. كما نعرف عن مجيئه الثانى وإنتهاء الزمان. فبدون الكتاب المقدس لا يمكن للإنسان أن يعرف شيئاً عن طبيعة الله ومحبته ومقاصده، فكل العقائد المسيحية مستقاة منه فهو المصدر الوحيد للإيمان والأعمال ولهذا يقول اللاهوتي أدوارد ج يونج إنه من الضروري أن نرتفع بمفهوم العقيدة الخاصة بالوحي الإلهي إلى القمة والذروة والسبب المهم وراء ذلك بحسب إدوارد يونج هو "لأنه إذا لم يكن الكتاب المقدس كتاباً معصوما، فلن يبقى أمامنا شئ على الاطلاق يمكن أن يكون موضوع يقين أو تأكيد، وستذهب سائر العقائد الأخرى واحدة وراء الأخرى في مهب الريح. إن المسيحية كلها تدور وجوداً أوعدماً حول الإيمان بعصمة "الكتاب المقدس."1 فكل الإيمان المسيحي مبني أولاً وأخيراً على ما يقوله الكتاب المقدس، فهو المصدر الأساسى للمعرفة عن الله. لكن السؤال الذى نطرحه هنا هو هل يمكننا ان نثق فى الكتاب المقدس؟ وهل كل ما يقوله الكتاب المقدس صحيح وحق؟ يقدم هاورد لندسيل ثلاثة احتمالات للاجابة على هذا السؤال: الاحتمال الأول: هو أن يكون الكتاب المقدس ليس موضع ثقه، وفي هذه الحالة يكون الإيمان المسيحي كله مبنياً على أساس كاذب، كالبيت المبنى على الرمل الذي يكون سقوطه عظيماً. هذا الاحتمال ضعيف جداً لأن الكتاب المقدس أثبت بجدارة أنه كلمة الله النقية التي لم يستطع منكرو وحيها وعصمتها من إضعاف قوتها وثباتها وتاثيرها، فهى "كسيف ذى حدين" و"كالمطرقة التى تحطم الصخر" والتى قال عنها الرب يسوع " إلى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (متى 5: 18).
1Edward J. Young, Thy Word is Truth (Grand Rapids: Eerdmans, 1957), 20.
الاحتمال الثاني: هو أن تكون الإجابة بالإيجاب أى أن الكتاب المقدس صادق فى كل ما يقول، وبهذا يكون الكتاب المقدس خالياً من أي كذب ومن أى خطأ، أنه موضع ثقه يمكن لنا أن نعتمد عليه ككتاب حق. الاحتمال الثالث والأخير: هو كما يقول البعض أن الكتاب صادق في أجزاء وخطأ في أجزاء أخرى، أو كما يقول البعض إن الكتاب المقدس معصوم فيما هو ضرورى للإيمان والأعمال أما فيما يتعلق بالتاريخ والخلق والعلم والأنساب... فهو غير معصوم بل يشتمل على أخطاء كثيرة.2 يُعتبر الاتجاه الأخير، من وجهة نظري، هو الأخطر لأنه ليس ابيضاً ولا اسوداً بل لون رمادياً خادعاً يكتسي بلون الحداثة والمعاصرة ولكنه سرعان ما يجر وراءه دماراً لإيمان وعقيدة الكنيسة. إنه يقول إن الكتاب المقدس هو كلمة الله ولكن المعصوم فيها هو فقط ما يتعلق بالايمان والإعمال ولأن الله استخدم بشراً في كتابة الأسفار المقدسه فالبشر بطبيعتهم خطاؤون لكن خطأهم لم يؤثر على الإيمان وخطة الله لفداء الإنسان. إن القضية الأساسية التى تعتبر تحدياً كبيراً لكنيسة القرن الواحد والعشرين هي قضية الكتاب المقدس. لقد مرت الكنيسة على مر العصور بتحديات كثيرة لكنها خرجت فى كل مره منتصرة. ففى القرون الثلاثة الأولى واجهت الكنيسة الأفكار الخاطئة عن طبيعة شخص المسيح لكنها خرجت مستندة على الكتاب المقدس كأساس للإيمان المسيحي موضحة أن يسوع هو الله الذى ظهر في الجسد وأن أى إيمان مخالف لذلك هو مخالف لإعلان الله فى الكلمة المكتوبة (الكتاب المقدس) والكلمة المتجسد (الرب يسوع المسيح). كما واجهت فى القرون المظلمة تحديات بخصوص مفهوم الكفارة لكنها دافعت بجدارة عن المفهوم الكتابى الخلاصى عن عقيدة الكفارة. كما واجهت الكنيسة فى عصر الاصلاح تحديات عقائدية كثيرة مثل سلطان الكتاب المقدس و التبرير بالايمان وحده... وقدم المصلحون مثل مارتن لوثر وجون كالفن التعاليم الكتابية الصحيحة لهذه العقائد وهى:
هذه العقائد الخمس التى نادى بها المصلحون غيّرت مجرى تاريخ الكنيسة ونقلتها من عصر تحكم البابوات والظلام إلى عصر النهضة وإعلاء الحق الإلهي كما هو معلن فى كلمة الله.
2Harold Lindsell, The Battle for the Bible, (Grand Rapids: Zondervan, 1976), 18.
التحدي الكبير الذي يقابل الكنيسة اليوم هو موضوع الكتاب المقدس. هذا التحدي الذي كان يواجه الكنيسة الغربية منذ العشرينيات والثلاثينيات بدأ يتاثر به البعض من قادة الكنيسة في مصر في شكل الحداثة والمعاصرة الفكرية. إن أخطر ما في هذا الفكر الحديث هو أنه يرتكز على أساس نكران الوحي ورفض كل ما يتعلق بالأمور فوق الطبيعية أو الخارقة للطبيعة والتي تسمو فوق العقل. إنه فكر يُبنى على أساس فلسفي معادٍ في حقيقة الأمر لما هو إلهي وللإعلان المسيحي، ولا مكان عنده لله. هذا الأساس هو وراء نكران المعجزات وتفسيرها على أنها أحداث طبيعية. فيقولون مثلاً: لا يوجد شئ اسمه شياطين وأرواح شريرة والرب يسوع لم يخرج شياطين لكن كل الحالات التى يسميها الكتاب إخراج شياطين هى أساساً وبحسب العلم الحديث أمراض نفسية، الرب يسوع كان يعلم أنها أمراض نفسية ولأنه كان يساير الناس في معتقداتهم أطلق عليها كباقى الناس "إخراج شياطين." طبعاً إذا قلت هذا الكلام لابني الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره لأجابنى بالقول إن هذا الفكر يجعل من يسوع شخصاً مرائياً وغير صادق بل وكذاباً ليس فقط لأنه لم يصحح مفاهيم الناس الخطأ، بل الأكثر من ذلك أنه سايرهم على معتقداتهم الخاطئة. مثال آخر هو معجزة إشباع الجموع (يوحنا 6: 1-14) يقول البعض أنه من غير الطبيعى أن الخمسة أرغفة والسمكتين تشبع خمسة اّلاف رجل (أضف إلى ذلك النساء والأطفال) فالمعجزة هنا ليست أن يسوع بارك القليل وجعله يكفي هذا الجمع الغفير بل المعجزة كانت في الغلام الذي استطاع أن يقدم ما عنده وعندما قدم ما يمتلك زال خجل الجموع فأخرجوا كل ما كان معهم من طعام، فأكلوا وفضل عنهم إثنتا عشرة قفة من الكسر. إن نكران الوحي وعصمة الكتاب المقدس لا يقود فقط لنكران معجزات السيد المسيح بل أيضاً نكران تدخل الله في التاريخ وأحداث الخروج وعبور شعب الرب لبحر سوف. إنها أيضاً الأساس لنكران التجسد والميلاد العذراوي وقيامة المسيح من بين الأموات وحقيقة المجئ الثاني. نعم لقد صدق يونج عندما قال "إن المسيحية كلها تدور وجوداً وعدماً حول الإيمان بعصمة "الكتاب المقدس."3 ليس الغرض من هذا الكتاب هو الدفاع عن الكتاب المقدس، فالكتاب المقدس سيظل ثابتاً ولن يزول منه "حرف واحد أو نقطة واحدة..." ولكن الغرض الأساسي هوتقديم شرح لعقيدة الوحي وعصمة الكتاب المقدس وكذلك الأخطار التي يمكن أن تحدث للكنيسة إذا لم تتمسك بهذا الحق الإلهي. فإن كانت الطريقة الصحيحة لمعرفة العملة المزيفة يكون بدراسة العملة الصحيحة دراسة متأنية ودقيقة، فكم نحتاج كمؤمنين أن نعرف ما تعلمة كلمة الرب حتى نستطيع أن نميز الأمور المتخالفة. الجهل بالمكتوب يقود للهلاك "هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ"، ولهذا أصلي أن يكون هذا الكتاب تعليمياً الهدف منه أن نعرف وهذه المعرفة تكون لتثبيت الإيمان.
3Young, Thy Word is Truth, 20.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
إن إيمان الكنيسة على مر العصور هو أن الكتاب المقدس ليس إلا كلمة الله التى أوحي بها من خلال الأنبياء والرسل. وسلطان الكتاب نابع من كونه معلن من الله وموحي به من الروح القدس، فكلمة إعلان تشير إلى التواصل بهدف إعلان الحق، فقد أعلن الله لنا عن ذاته، وبدون هذا الإعلان ما عرف الإنسان شيئاً عن الله وذلك لأن الله لا يمكن أن يُعرف بالعقل أو بالمجهود البشري". هذا الإعلان يقسمه اللاهوتيون إلى نوعيين: إعلان عام وإعلان خاص. الإعلان العام هو إعلان الله عن نفسه من خلال الطبيعة (مزمور19: 1-2، روميه 1: 19-20) ومن خلال الضميرالإنساني (رومية 2: 14-15، اعمال 23: 1، 24: 16) ومن خلال التاريخ (أعمال 17: 26-27). فالكتاب المقدس يقول في مزمور 19: 1-2 " اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.."، كذلك رسالة رومية 1: 19-20 " إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (1: 19-20). هذه الاّيات وغيرها تؤكد ان الله قد اعلن عن نفسه للإنسان وهذا الأعلان هو إعلان عام يمكن لأى شخص أن يلاحظه ويدركه لكن الخطية جعلت الإنسان غير قادر على أن يتواصل مع الله من خلال الإعلان العام وبدل أن يدرك الإنسان الله الذي تعلنه الطبيعة ذهب وعبد الأوثان "وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ" (رومية 1: 23). فإلاعلان العام إذاً غير قادر أن يقود الإنسان الخاطئ إلى المعرفة الحقيقة لله. كما أن الإعلان العام غير كافٍ لخلاصنا ولمعرفة خطة الله للخلاص بالمسيح يسوع. إنه إعلان عن قدرة الله السرمدية وعن حكمته. والنوع الثاني من الإعلان هو ما يطلق عليه "الإعلان الخاص" وهو إعلان الله عن نفسه للإنسان عن طريق التواصل المباشر بينه وبين البشر. فالله قد أعلن عن نفسه عن طريق المعجزات والعجائب (مثال لذلك الطوفان في تكوين 6-9 ودمار سدوم وعموره في تكوين 19 وأحداث الخروج) وعن طريق الظهورات الإلهية (لإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى ويشوع وجدعون...الخ) وعن طريق الأحلام والرؤى (ليعقوب ويوسف وسليمان ودانيال ويوسف النجار...الخ) وعن طريق الكلام المباشر مع أنبيائه (تثنية 18: 22) وأخيراً في شخص الرب يسوع المسيح. إذ يقول كاتب العبرانيين "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَبِالأنبياء قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ" (1:1-2). وهذا الإعلان الخاص مهم جداً لأن الله تجاوز فيه الحقائق الأساسية عن وجوده وقوته إلى الإعلان عن مقاصده ومشيئته وطبيعيته ومحبته. كما أنه بدون الكتاب المقدس تصبح كل هذه الاعلانات الخاصة بلا فائدة لأن الطريقة الوحيدة لمعرفتها هى من خلال تسجيلها في الأسفار المقدسة. إن عملية تسجيل هذا الإعلان الإلهي تسمى "بالوحي". لكن ما هو الوحي؟؟ للإجابة على هذا السؤال أقدم عدة تعاريف من ستة مراجع للاهوتين إنجيليين: يقول اريكسون ميلر إن الوحي الإلهي هو "التأثير فوق الطبيعي للروح القدس على كُتَّاب الاسفار المقدسة والذي يجعل كتاباتهم هي التسجيل الحقيقى والصحيح لإعلان الله حتى أن ما كتبوه هو كلمة الله"4 ، أما بيتر إنس فيقول أن الوحي هو "سيادة وسيطرة روح الله على كُّتّاب الاسفار المقدسة حتى يصبح ما يكتبون بأسلوبهم الخاص وشخصياتهم المختلفة هو كلمة الله التى لها كل السلطان والمصداقية والتي هى خالية من أي خطأ فى المخطوطات الأصلية."5 ، بنجامين ورفيلد يقول أن الوحي هو "التاثير فوق الطبيعى على كُتَّاب الاّسفار المقدسة من الروح القدس ليكون ما يكتبون له المصداقية الإلهية."6 ، بالنسبة إلى إدوارد يونج فالوحي هو "سيادة الروح القدس على كُتَّاب الاسفار المقدسة ونتيجة لهذا تتصف الأسفارالمقدسة بالسلطان الالهي والمصداقية ولأنها تحمل السلطان الالهي والمصداقية فهى خالية من أى خطأ."7 ، أما تشارلز ريرى فيُعرف الوحي على أنه "سيادة الله على الكُتَّاب البشريين مستخدماً شخصياتهم ليكتبوا ويسجلوا إعلانه للناس بكلمات خالية من أى خطأ في المخطوطات الاصلية."8 أخيراً يقول وين جرودم في كتابه "اللاهوت النظامي" إن الوحي هو "سيادة الله وتحكمه في الكاتب البشري (مستخدماً شخصيته وأسلوبه في الكتابة) حتى يكتب بدون أى خطأ إعلانه للإنسان وبذلك تكون كل كلمة يكتبها الكاتب البشري هي بالضبط كلمة الله التى سجلت في المخطوطات الاصلية."9 هذه التعريفات الستة تشتمل على خمس حقائق مهمة جداً عن الوحي:
4Millard Erickson, Christian Theology, (Grand Rapids: Baker, 1983), 225.
5Peter Inns, The Moody Handbook of Theology, (Chicago: Moody Press, 1989), 160.
هذه الحائق تؤكدها كلمة الرب حيث يقول الرسول بولس فى رسالته الثانية لتيموثاوس 3: 16 "كُلُّ الْكتاب هُوَ مُوحي بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ" كذلك الرسول بطرس فى رسالتة الثانية 1: 21 حيث يقول " لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." إن الكتاب المقدس يؤكد أنه كلمة الله، وهى لكونها منه، وترجع اليه فى أصلها، فهى معصومة وخالية من الخطأ من كل وجه.
6Benjamin Warfield, The Inspiration and Authority of the Bible, (Philadelphia: Presybaterian and Reform Press, 1948), 131.
7Edward Young, Thy Word is Truth, 27
8Charles Ryrie, Sintesis De Doctrina Biblical: Survey of Bible Doctrine. (Grand Rapids: Kregel, 1995),
9Wayne Grudem, Systematic Theology: An Introduction to Biblical Doctrine, (Grand Rapids: Zondervan, 1994). 74.
عندما نتحدث عن الوحي لابد ان نتجنب أولاً بعض المفاهيم الخاطئة عن الوحي قبل أن نتحدث عن المفهوم الكتابي الصحيح للوحي. يقول أصحاب هذا الفكر إنه لا يوجد شى خارق أو فوق الطبيعي بالنسبة للوحي. فكتاب الأسفار الكتابية كانوا بالطبيعية موهوبون في الكتابة وقد استخدموا هذه الموهبة في كتابة أمور متعلقة بالدين، مثلهم مثل الكاتب الانجليزي الشهير شكسبير أو فولتير الفرنسى وفي مجتمعنا العربي الكاتب المصري نجيب محفوظ أو نزار قباني الشاعر. إن كتَّاب الأسفار الكتابية لا يختلفون عن أى كاتب موهوب في الكتابة سواء كانوا شعراء أو كتَّاب قصه سواء كانت قصة حقيقية أم خيالية. فهم يعترفون بأنهم أمام أعمال بشرية غاية في العبقرية وقمة في الإبداع، لكننا لا نستطيع أن نقول إن هؤلاء الكتَّاب تلقوا ما كتبوه من الله كما أننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن نقول أنهم كتبوا ما كتبوا وهم محمولون بالروح القدس، كما أننا لا يمكن أن ننسب إلى الله أي خرافات أو تعاليم خاطئة تحتويها هذه الأعمال الأدبية. إنه من المؤسف أن نرى أن أصحاب هذه المدرسة يعاملون الكتاب المقدس على أنه كتاب كأى كتاب أدبى أخر مع أنهم يعترفون بأن كتَّاب الأسفار الكتابية كتبوا أموراً عظيمة إلا أن ما كتبوه لا يعدو أن يكون كأى كتاب أدبى ولهذا يمكن أن يتضمن أموراً غير صحيحة وخاطئة، وكما أن شكسبير ونجيب محفوظ وغيرهما عرضة للخطأ كذلك كتَّاب الاسفار المقدسة هم أيضاً عرضة للخطأ. إن صحت هذه المزاعم يكون رجال الله رجالاً مخادعين لأنهم لم ينسبوا الكلمة التى نادوا بها وكتبوها إلى انفسهم بل نسبوها إلى الإعلان المباشر من الله. بل الأكثر من ذلك كله يكون الكتاب المقدس فيما يدَّعيه عن نفسه بأن مصدره هو الله وأنه قد جاء إلينا عن طريق الإعلان الإلهي وأن ظهوره بين الناس ينسب إلى عناية متميزة خاصة من عند الله هو مجرد إدعاء كاذب يخلو من الصحة10 . طبعاً هذه المدرسة تجهل تأكيد الكتاب المقدس من أن مصدره هو الله، كما يؤكد أنه جاء من الله بصورة متميزة وخارقة. فشكسبير وغيره من الكتاب الموهوبين العباقرة لم يدّعوا أن ما كتبوه نص مقدس وأنه كلمة الله وأن الرسالة التى يحملونها هي رسالة الرب وكلمات الرب لشعبه. أما ألكتاب المقدس فيشهد عن نفسه أن مصدره الأساسى هو الله نفسه. يقول الرسول بولس " كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحي بِهِ مِنَ اللهِ..." (2 تيموثاوس 3:16) كذلك يشهد الرسول بطرس عن أن الله هو مصدر الكتاب المقدس فيقول: "عَالِمِينَ هذَا أولاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بطرس 1: 20-21). يقول أصحاب هذه المدرسة أن الله أوحى فقط بالفكرة أو المفهوم للكاتب البشري وترك له أن يكتبها بأسلوبه وبحرية مطلقة دون تدخل من الله فيما يكتبه. فالوحي لا يشمل اختيار الكلمات التي اختارها الكاتب للتعبير عن الفكرة التي أعلنها الله للكاتب ولهذا فالخطأ وارد في كلمات الكاتب البشري لأنها كلمات بشر بحسب فكر بشري. المهم هو الفكرة نفسها لا الكلمات فطالما أن الفكرة صحيحة لا يهم إن كانت الكلمات التى استخدمت لتوصيلها صحيحة أم خاطئة، بمعنى آخر أن "الغاية تبرر الوسيلة." للرد على هذه المدرسة نقول الآتي:
10Young, Thy Word is Truth, 93.
هذه المدرسة تجعل دور الكاتب البشري دور ميكانيكى دون تدخل لترك بصماته المميزة له في الكتابة. فالله يملى على الكاتب والكاتب فقط يسجل ما يسمعه. مع العلم أن هذا الاسلوب نجده في بعض نصوص الكتاب المقدس، فمثلاً نقرأ في سفر الخروج " ثُمَّ تَكَلَّمَ اللهُ بِجَمِيعِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَائِلاً: 2«أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. 3لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي..." (خروج 20: 1). وكذلك سفر اللاويين وأجزاء أخرى من الكتاب المقدس. لكن السمة السائدة التي نراها في الكتاب المقدس أن الله استخدم اناساً مختلفين في أسلوبهم ومكانتهم وخدمتهم وزمانهم. إن القول بأن الكتاب المقدس وصل إلينا عن طريق الوحي الإملائي قول مغلوط للأسباب الآتية:
يعتبر اللاهوتي السويسرى كارل بارت أبو الأرثوذكسيه الحديثة، فقد رفض بارت التعاليم المتحررة التي تلقاها أثناء دراسته اللاهوتية من لاهوتيين متحررين فى ألمانيا، لكنه فى نفس الوقت لم يعد بالكامل إلى اللاهوت المصلح بل انحرف عنه ورفض التقليد المسيحي الذي يعتبر الكتاب المقدس كلمة الله الحقيقية ولهذا اُطلقَ على لاهوته الأرثوذكسية الحديثة لأنه لم يعد إلى الأرثوذكسية أو الاستقامة فى التعليم كما سار من قبله المصلحون. أخطر ما في لاهوت كارل بارت هو ما يتعلق بالكتاب المقدس. فبالنسبه لبارت هناك فرق بين الكلمة المكتوبة وكلمة الله. فالكتاب المقدس بالنسبة له ليس كلمة الله لكنه شاهد لكلمة الله. فالكلمات المكتوبة فى ورق ليست كلمة الله بل الرسالة التى يمكن أن نأخذها من المكتوب هى كلمة الله. يقول كارل بارت "إذا كان الله لم يأنف من التكلم من خلال الكتب المقدسة بما فيها من كلمات بشرية غير معصومة، أو هنات تاريخية وعلمية أو تناقضات لاهوتية، مع عدم التأكد من تحويلها، وبالأكثر بالطابع اليهودى فيها، ولكنه بالأحرى قَبِلها بكل ما تردت فيه من غير عصمة، اذ جعلها لخدمته، فاننا لا يجمل بنا أن نأنف منها أو من شهادتها."12 ، هذه التفرقة بين الكتاب المقدس وكلمة الله لا نجدها مطلقاً على صفحات الكتاب المقدس نفسه، فكل الأنبياء والرب يسوع نفسه وكل اليهود والمؤمنين المسيحيين على مر العصور آمنوا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله بعينها. يقول يونج "إذا لم تكن كلمة الله هى كلمات الكتاب المقدس أو مساوية لها فمن هو الذي يحدد كلمة الله؟" بالطبع الإنسان هو الذى يحكم على كلمة الله وبهذا يكون كل الأمر شخصياً ويختلف من شخص إلى آخر فما تراه أنت كلمة الله آراه أنا أو غيرى أنه ليس كلمة الله، وهذه هى الطامة الكبرى، إذ يضيع الحق المطلق ويصبح كل شئ نسبياً. تخيل معي عزيزى القارئ أنك وأنت وأنا نقرأ سوياً من سفر الخروج 20: 3-4 "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ" فتأخذ أنت هذه الكلمات المكتوبة على أنها كلمة الرب أما أنا فأرى أنها ليست كلمة الرب. إن فكر كارل بارت عن كلمة الله يجعل الإنسان هو الحَكَم وصاحب الكلمة الأخيرة فيما إذا كان ما يقرؤه فى الكلمة المكتوبة هو كلمة الله أم لا؟، وكيف لإنسان شوهت الخطية فكره ومشاعره وإرادته أن يصبح الحَكَم؟ والتطور الطبيعى لفكر كارل بارت نراه اليوم فى مجموعة تضم لاهوتيين وشخصيات بارزة تكونت سنة 1985 فى معهد ويستر بولاية اريجون الامريكية (150 شخصية) تسمى "ندوة يسوع"13 تجتمع عدة مرات كل سنة لكى تحدد ما إذا كان يسوع حقاً قد قال هذا القول أو ذاك من الأقوال التي تنسب له فى الأناجيل الأربعة بهدف الوصول إلى يسوع التاريخ وليس مسيح الإيمان.14 وبعد نقاش وحوار يتم التصويت على قول المسيح، على مثال هم يدرسون قول السيد المسيح "أنا هو الراعى الصالح..." (يوحنا 10: 11) هل قالها المسيح أم لم يقلها؟ وبحسب التصويت تكون النتيجة، وقد اختاروا ألواناً أربعة لتشير إلى ما وصلوا اليه من نتائج: اللون الأحمر يعنى أن يسوع قالها ولا يوجد شك فى ذلك، اللون الزهرى يعنى أن يسوع ممكن أن يصدر عنه هذا القول لكن دون تأكيد، أما اللون الرمادي فيشير إلى أن يسوع لم يقل هذه الكلمات لكن ممكن أنها تكون فكرته، أما اللون الأخير وهو الأسود فيعنى أن يسوع لم يقل هذه الكلمات على الإطلاق. تخيلوا معى جماعة تأتى بعد المسيح وتلاميذه بألفي عام، لم يكونوا شهود عيان ولم يكونوا من تلاميذ المسيح الذين عاشوا معه وسمعوا تعاليمه وأقواله تأتى لكى تحكم حكما شخصياً عما إذا كان الرب يسوع قد قال هذا القول أو لم يقله، مع العلم أن الكتاب المقدس يقول أن يسوع قد قالها وعلّمها. بأى سلطان يفعلون هذا؟ وعلى أى اساس يفعلونه؟ إنه الإنسان الخاطئ الذى يرفض كل ما يتعلق بالرب وينصب نفسه الهاً يحكم حتى على أمور الله وكلمة الله.
11Ibid., 80.
12Carl Bart, Church Dogmatic, Vol. 1:2, Quoted by Edward Young, Thy Word is Truth, 255. 13Jesus Seminars.
14أول من استخدم تعبير "يسوع التاريخ" Jesus of Historyو "مسيح ألإيمان" Christ of Faithكان مارتن كهلير (1835-1912). هذا التميز بين يسوع والمسيح كان الهدف منه هو فصل يسوع عن المسيح الذى نراه فى الاناجيل الاربعة. فنتيجة لرفض سلطان الكتاب المقدس قال اللاهوتيون المتحررون أن صورة يسوع المرسومة فى الاناجيل ليست صورة يسوع الحقيقية. فاالأناجيل كتبها تلاميذ المسيح وقدموا فيها يسوع الذى أمنوا به وليس يسوع الذى عاش فى الناصرة. فى نظرهم فإن أفضل طريقة لمعرفة يسوع التاريخ أو يسوع كما عاش وليس كما أمن به التلاميذ هو البحث عن يسوع فى التاريخ وليس فى الاناجيل. المحرك الاساسى وراء هذا طبعاً هو الرفض الكامل لسلطان الكتاب المقدس وبالاخص للاناجيل الاربعة. وعندما يرفض الإنسان سلطان الكلمة ينصب نفسه إلهاً ويحكم على الامور الكتابية من منظور شخصى بحت.
طبيعية الوحي الكتابى- الوحي اللفظى المطلق ⇑ إن الوحي الإلهي يمتد ليشمل كل الكتاب المقدس، "فكل الكتاب هو موحي به من الله..." (2تيمو 3: 16)، "كل الكتاب" تشير إلى كل أسفار الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا. إن الكتاب المقدس كله هو نفخة الله، أنفاس الله، إن الكلمة اليونانية المترجمة "موحي به" هى θεόπνευστος (ثيوبنيوستوس) وهى كلمة مركبة من (ثيو) وتعنى الله (بنيوستوس) وتعنى أنفاس، وبهذا يكون معنى "موحي" هو "أنفاس أو نفخة الله." قام اللاهوتي بنجامين ورفيلد الأستاذ بجامعة برنستون بدراسة هذه الكلمة الأصلية فى الكتابات اليونانية القديمة واكتشف أنها كانت تستخدم دائماً كمفعول به15 ، فالكتاب المقدس هو أنفاس ونفخة الله وليس كاّدم الذى نفخ فيه الله فصار نفساً حية، فالكتاب المقدس هو أنفاس الله نفسه التى سجلت وكتبت. إن الرسول بولس فى هذه الآية لا يتحدث عن كيف وصلت إلينا كلمة الله بل يركز على حقيقة مهمة جداً وهى أن مصدر الكتاب المقدس هو الله نفسه، فالتركيز على من أين أتى الكتاب المقدس؟. بحسب تيموثاوس الثانية 3: 16 فإن الوحي يشمل كل الكتاب المقدس وبهذا يكون كل الكتاب معصوماً من أى خطأ، فالله يكف عن أن يكون إلهاً حقيقياً لو صدرمنه خطأ أو تناقض حتى ولو كان هذا الخطأ صغيراً. إن الوحي لا يشمل الكل فقط بل يشمل أيضا اللفظ، إنه وحي لفظى. 17فالله قد تكلم فى كلمات. يقول يونج "إنه من المستحيل عندنا فصل أفكار الكتاب عن كلماته، فالأفكار هى الأفكار التى نفخ بها الله والتى ينبغى أن تنال طاعة النفس الكاملة."16 ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: بأية صورة أعلن الله أفكاره لنا؟ هل أعلنها فى صورة أفكار مبهمة خالية من الكلمات أم أن الله أعلن أفكاره فى كلمات، فإذا كان البشر قد ألفوا أن يكشفوا عن أفكارهم بالكلام، فلهذا السبب قد تكلم الله إلينا. يقول يونج مدافعاً عن عقيدة الوحي اللفظى "إنه يكفينا القول حالياً إنها تعاليم الكتاب المقدس، سواء رضى بذلك الرجل العصري أم لم يرض، بل هى أكثر من ذلك: إنها عقيدة السيد المسيح مهما كانت كراهية العصريين لمثل هذا الفكر أو المعتقد،... إن الكتاب المقدس لا يعرف فى الواقع سوى عقيدة واحدة عن الوحي، مهما كان عداء الرجل العصري لها، ألا وهى عقيدة الوحي المطلق اللفظى" وعلى الرغم من ذلك يجد البعض صعوبة فى قبول هذا الحق، فبسبب نظرتهم المتدنية للكتاب المقدس، هم يرفضون أى فكر فوق الطبيعى أو معجزى، فالكتاب المقدس بالنسبة لهم لا يختلف عن أى كتاب أدبي أخر. والبعض الاّخر يقول أن العصمة لا تشمل كل الكتاب بل تمتد فقط لكل ما هو ضرورى للإيمان والأعمال، أما الأمور المتعلقة بالتاريخ والأنساب والعلم والجغرافيا فالخطأ فيها وراد. كما أن كارل بارت رفض فكرة أن يكون الكتاب المقدس هو كلمة الله وقال أن الكتاب المقدس هو مجرد شاهد لكلمة الله، فكلمة الله هى الكلمة التى عندما تقرأ الكتاب تشعر أن الله هو الذي يتكلم إليك من خلالها. وأي نص أخر غير الذي أشعر أنه يتكلم إلى، لا يعتبر أنه كلمة الله. وخطورة هذا الفكر طبعاً بجانب أنه يجعل من الكتاب مجرد شاهد لكلمة الله أنه يجعل الشخص القارئ الحكم النهائى لما هو كلمة الله ولما هو ليس كلمة الله.
15Benjamin Warfield, The Inspiration and the Authority of the Bible, 126.
16Young, Thy Word is Truth, 60. 17Edward Young, Thy Word is Truth, 92. أريد أن أذكَّر القارئ بأن إيماننا هو ان الكتاب المقدس هو أنفاس الله وأن هذه الأنفاس تشمل حتى الكلمات، إلا انه توجد عدة أمور نحتاج أن نوضحها ونتذكرها بخصوص الوحي والعصمة: الأمر الأول: القول بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله لا يعنى أن كل كلمة أو عبارة موجوده فى الكتاب المقدس قالها الله. فالكتاب المقدس يسجل لنا أقوال الشيطان وأكاذيبه فى حواره مع حواء وكذلك فى افترائه على أيوب البار (تكوين 3، أيوب 1). كما يسجل أيضاً أقوال الأغبياء "قال الجاهل فى قلبه ليس إله." كما يسجل أيضا أكاذيب أناس أشرار وأفعالهم. فالقول بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة ليس معناه أن أقوال الشيطان وأكاذيبه صادقة بل معناه أن الكتاب المقدس صادق جداً فى تسجيله لهذه الأقوال والأفعال وأنه لا يكذب بل يقول الصدق ويسجله لنا بأمانة ودقة متناهيتين. الأمر الثانى: يتضمن الوحي أيضاً أن يسجل رجال الله القديسون رأيهم أو ما شعروا به حتى ولو كان مخالفاً للحق الالهي. مثال على ذلك يسجل لنا الكتاب المقدس ثلاثة اشخاص طلبوا الموت لأنفسهم: موسى رجل الله وإيليا النبي وأيوب الذى وصفه الكتاب بالبار. أن يطلب الإنسان الموت لنفسه ليس شيئأ رائعاً لكن الكتاب المقدس صادق فى تسجيله لنا ما شعر به رجال الله القديسون حتى ولو كان ما شعروا به لا يتمشى مع مقاصد الله وإعلاناته. الأمر الثالث: يسمح الوحي بأن يستخدم الكاتب البشرى مراجع ومصادر متوفرة: فالأنساب المذكورة فى سفر التكوين من أين أتى بها موسى؟ ومن أين أتى بأنساب ابراهيم واسحق ويعقوب والأسباط الاثنى عشر؟ حتى لوقا ومتى البشيرين عندما كتبا سلسلة نسب الرب يسوع رجعا إلى المصادر والسجلات المتوفرة لكتابتها. إن الوحي الكلى واللفظى يسمح بأن يستخدم الكاتب مصادر كهذه وهذا أيضاً واضح فى تسجيل حياة وأعمال ملوك يهوذا واسرائيل (ملوك الأول والثاني واخبار الايام الأول والثاني) وكذلك قوائم الأنساب المذكورة فى سفرى عزرا ونحميا. الأمر الأخير: يسمح الوحي بأن يُستخدم كلمتان مختلفتان فى وصف حدث واحد. فمثلاً يسجل البشير متى قول يوحنا المعمدان "لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ" (متى 3: 11) بينما فى إنجيل يوحنا نقرأ "الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ" (يوحنا 1: 27). إن هذه المشكلة البسيطة لا تعنى أن واحداً من البشيرين قد اخطأ فى كتابة ما قاله يوحنا المعمدان. فمتى صحيح ويوحنا صحيح. فمن المؤكد أن خدمة يوحنا المعمدان قد امتدت لسنوات عديدة قال نفس الإعلان بكلمات مختلفة فمرة قال "أحمل" ومرة أخرى قال "أحل." إن تكرار الحق باستخدام كلمات مختلفة هو حال كل الوعَّاظ الذين يكررون الحق الذى ينادون به أكثر من مرة. ولهذا يرى معظم المفسرون أن يوحنا المعمدان ذكر الكلمتين فى موقفين مختلفين. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثاني
إن شهادة الكتاب عن نفسه مهمة جداً، فنحن نحتاج أن نستمع لصوت الكتاب المقدس وما يقوله عن نفسه وطبيعته ومصدره الأساسي ومصداقيته وسلطانه. هذه الشهادة ضرورية جداً وبالأخص اذا كان دافعنا الحقيقى هو الوصول إلى فهم وإدراك وإيمان مبني على حقائق وليس على أفكار شخصية مسبقة عن طبيعة الكتاب المقدس، فمن العدالة قبل أن نشير بأصبع الاتهام أن نسأل ونسمع ما يقوله المتهم قبل الحكم عليه وإلا أصبح حكمنا حكماً غير موضوعى ظالماً دون أساس. قد يقول البعض إنهم لا يقبلون شهادة الكتاب المقدس عن نفسه لكن الحقيقة ستبقى واضحة وضوح الشمس كما أن الشمس الساطعة تكشف عن نفسها والأعمى وحده هو الذي لا يرى نورها. هكذا حال منكري عصمة الكتاب المقدس والمعترضين على سماع شهادته عن نفسه، هم مثل رؤساء الكهنة والكتبة الذين اصدروا حكمهم على يسوع حتى قبل الاستماع إلى شهادته ولهذا قال لهم يسوع "إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ وَإِنْ سَأَلْتُ لاَ تُجِيبُونَنِي وَلاَ تُطْلِقُونَنِي." (لوقا 22: 68). إن شهادة الكتاب المقدس عن نفسه يمكن أن نلخصها في ثلاث شهادات: شهادة العهد القديم وشهادة الرب يسوع وشهادة تلاميذ المسيح. يشهد العهد القديم عن نفسه بانه كلمة الله، فهو يسجل لنا حديث الله المباشر مع الإنسان. فالله على صفحات العهد القديم نراه يتحدث مباشرة لأناس مختلفين. فمثلا يسجل لنا سفر الخروج ان الله تحدث إلى موسى على جبل حوريب. ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات "أنا الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك الهة اخرى أمامى لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض..." (خروج 20: 1-4). لنلاحظ هنا ان كلمة الرب لم تقل ان الله اوحي بافكار إلى موسى، بل تكلم الله بجميع الكلمات וַיְדַבֵּר אֱלֹהִים אֵת כָּל־הַדְּבָרִים كما ان المُلفت للنظر هنا ان هذا النص يؤكد ان الله عندما تكلم مع موسى تكلم بكلمات أى ان ما اراد الرب ان يوصله ويعلمه لشعبه جاء في كلمات وليس مفاهيم او افكار كان على موسى ان يصيغها بمعرفته، "كل او جميع هذه الكلمات." لم يكن حديث الله هذا هو الأول مع موسى. فالله تحدث معه من قبل مرات عديدة، بداية بظهوره له وهو يرعى الغنم في البرية وتكليفه له ان يذهب إلى فرعون حتى يسمح له بخروج الشعب من مصر (خروج 3:1- 4:24). كما لم يكن الأول الذي يسجله الكتاب المقدس فهو قد تحدث من قبل في سفر التكوين مع اّدم ونوح وأبراهيم واسحق ويعقوب...الخ كما يسجل لنا العهد القديم حديث الله مع الأنبياء وكيف ان نبؤاتهم كانت عن طريق اعلان مباشر من الله لهم. يقول اللاهوتي وين جرودم إن كلام الله المباشر مع اشخاص في العهد القديم يؤكد لنا حقيقتين هامتين: الحقيقة الأولى: إن العهد القديم يقدم لنا الله على أنه يتواصل مع البشر باستخدام كلمات منطوقة وليس من خلال افكار أو مفاهيم بدون كلمات محددة. هذا المفهوم يسمى "تواصل لفظي" من الله. أي أن الله عندما يتواصل فهو يتواصل بكلمات وألفاظ. 18الحقيقة الثانية: تواصل الله مع البشر فى شكل تواصل مباشر، يؤكد أن اللغة البشرية لم تكن عائقاً أمام الله للتواصل الفعال مع البشر. فلا توجد في كلمة الله أي اشارة إلى أن اللغة البشرية كانت غير كافية أو أنها كانت عائقاً لتواصل الله مع البشر، بل على العكس نجد أن السامعين في الكتاب المقدس اّمنوا أن كل الأقوال التي قالها موسى لهم هى كلمات الله نفسه "كل الأقوال التي تكلم بها الله." يؤكد لنا الكتاب المقدس أن أنبياء الله في العهد القديم كانوا مدركين أنهم مسوقين من الروح القدس. فعبارات "قال الرب" "هكذا قال الرب" "الرب تكلم" ذُكرت حوإلى 4000 مره في العهد القديم، 500 مره فى التوراه وحدها (أسفار موسى الخمسة: تكوين، خروج، لاويين، عدد، وتثنية). فالأنبياء لم يتكلموا من ذواتهم ولا بسلطانهم، فالنبي ميخا يقارن بين نفسه كنبي للرب وبين الأنبياء الكذبة فيقول "لكِنَّنِي أَنَا مَلآنٌ قُوَّةَ رُوحِ الرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لأُخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِهِ" (ميخا 3: 8). كما تحدث النبي زكريا عن خدمته وخدمة الأنبياء الذين أتوا من قبله عندما اتهم شعب الرب بأنهم لم يسمعوا "فَأَبَوْا أَنْ يُصْغُوا وَأَعْطَوْا كَتِفًا مُعَانِدَةً، وَثَقَّلُوا آذَانَهُمْ عَنِ السَّمْع بَلْ جَعَلُوا قَلْبَهُمْ مَاسًا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا الشَّرِيعَةَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّ الْجُنُودِ بِرُوحِهِ عَنْ يَدِ الأنبياء الأولينَ. فَجَاءَ غَضَبٌ عَظِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ " (زكريا 7: 11-12). داود نفسه كان مدركاً لهذه الحقيقة عندما قال "رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي. قَالَ إِلهُ إِسْرَائِيلَ. إِلَيَّ تَكَلَّمَ صَخْرَةُ إِسْرَائِيل... " (2 صم 23: 2-3) لقد كانت رسالة الأنبياء التي قالوها لشعب الرب من عند الرب نفسه، نعم لم تكن رسالتهم من اختراعهم ولا من تفكيرهم وتخيلهم، يقول النبي حزقيال عن الأنبياء الكذبه "
18Wayne A Grudem, “Scripture’s Self – Attestation and the Problem of Formulating a Doctrine of Scripture,” in Scripture and Truth. Eds. by A. D. Carson and John Woodbridge, (Grand Rapids: Baker, 1992), 20.
وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: «يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى أنبياء إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ، وَقُلْ لِلَّذِينَ هُمْ أنبياء مِنْ تِلْقَاءِ ذَوَاتِهِمِ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِلأنبياء الْحَمْقَى الذَّاهِبِينَ وَرَاءَ رُوحِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا... رَأَوْا بَاطِلاً وَعِرَافَةً كَاذِبَةً. الْقَائِلُونَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَالرَّبُّ لَمْ يُرْسِلْهُمْ، وَانْتَظَرُوا إِثْبَاتَ الْكَلِمَةِ. أَلَمْ تَرَوْا رُؤْيَا بَاطِلَةً، وَتَكَلَّمْتُمْ بِعِرَافَةٍ كَاذِبَةٍ، قَائِلِينَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَأَنَا لَمْ أَتَكَلَّمْ؟" (حزقيال 13: 2-3، 6-7). إن نبي الرب الحقيقي يعلم جيداً أن الكلمة التى يتكلم بها هي كلمة الرب. يصف النبي ارميا دعوته للخدمة فيقول "وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ " (أرميا 1: 9) و كذلك كانت رسالة وكلمات النبي إشعياء كلمات الرب التى وضعها في فمه " وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي» " (أشعياء 51: 16) " قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ" (أشعياء 59: 21). خدمة الأنبياء ورسالتهم نجدها بوضوح في كلمات الرب لموسى في سفر التثنية 18: 18 "أقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإنسان الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ. " طبعاً هذه النبوة صار اكتمال تحقيقها هو في شخص المسيح لكنها تتضمن خدمة ورسالة النبي الحقيقي من الرب. أن مهمة أنبياء الرب هي أن يتكلموا بكلام الرب. فمن خلال علاقتهم بالرب كان الرب يخبرهم بكلامه وبمشيئته وهو بدوره يعلنها للشعب " إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأنبياء" (عاموس 3: 7). إن نبي الرب دوره فقط أن يعلن كلمات الرب، ولا يقدر –من نفسه- أن يحذف أو يزيد على كلمة الرب أية كلمة أخرى، "الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ، فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ، فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟ " (عاموس 3: 8). حتى النبي بلعام المتمرد والذي أحب المال لم يقدر أن يتكلم بكلام غير الكلام الذى أمره به الرب "وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ الرَّبِّ لأَعْمَلَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا مِنْ نَفْسِي. الَّذِي يَتَكَلَّمُهُ الرَّبُّ إِيَّاهُ أَتَكَلَّمُ" (عدد 24: 13). كما أن الرب يحذر أنبياءه من أي أضافة أو نقصان لكلمته "لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ، لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا" (تثنية 4: 2) سفر الأمثال يحمل تحذيراً مشابهاً "لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ... " (أمثال 30: 6). يقول لندبلوم "إن كلمات الأنبياء هى كلمات سمعوها مباشرة من الله."19 فالنبي إرميا يقول "لأَنَّهُ مَنْ وَقَفَ فِي مَجْلِسِ الرَّبِّ وَرَأَى وَسَمِعَ كَلِمَتَهُ؟ مَنْ أَصْغَى لِكَلِمَتِهِ وَسَمِعَ؟" (أرميا 23: 18). إن الوقوف في "مجلس الرب" בְּסֹוד יְהוָה يشير إلى الوجود في محضر الرب والحديث معه وسماع كلماته، فالنبي هو الشخص الذي يسمع ما يقوله الرب ومن ثم يوصل ما قد سمعه إلى الشعب، فكل كلمة تكلموا بها باسم الرب مصدرها الرب نفسه. فالسمة والعلامة التى تميز النبي الحقيقى عن النبي الكذاب هى أن النبي الحقيقي لا يتكلم من نفسه كما أنه لا يتكلم كلامأ لم يوص به الرب، بل يتكلم فقط بكلام الله. فمثلاً كلمات إيليا لآخأب الملك في ملوك الأول 21: 19 "هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟ ثُمَّ كَلِّمهُ قَائِلاً: هكَذاَ قَالَ الرَّبُّ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا»، وصفت بأنها "قول الرب" في ملوك الثاني 9: 25-26 "وَقَالَ لِبِدْقَرَ ثَالِثِهِ: «ارْفَعْهُ وَأَلْقِهِ فِي حِصَّةِ حَقْلِ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ. وَاذْكُرْ كَيْفَ إِذْ رَكِبْتُ أَنَا وَإِيَّاكَ مَعًا وَرَاءَ أَخْآبَ أَبِيهِ، جَعَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِ هذَا الْحِمْلَ. أَلَمْ أَرَ أَمْسًا دَمَ نَابُوتَ وَدِمَاءَ بَنِيهِ يَقُولُ الرَّبُّ، فَأُجَازِيكَ فِي هذِهِ الْحَقْلَةِ يَقُولُ الرَّبُّ. فَالآنَ ارْفَعْهُ وَأَلْقِهِ فِي الْحَقْلَةِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ». بجانب تسجيل العهد القديم لحقيقة التواصل المباشر لله مع شعبه من خلال قديسيه وأنبياءه، تسجل كلمة الرب ان الله اوصى أنبياءه بأن يكتبوا ما قد أعلنه لهم في كتاب.
19Johannes Lindblom, Prophecy in Ancient Israel ( Oxford: Blackwell, 1967), 110.
إن هدف الله من تسجيل وكتابة إعلاناته وحديثه إلى شعبه هو أن يصبح النص المكتوب شاهداَ على عهد الله وتدبيراته مع شعبه ولهذا سمى الكتاب الذي امر الله موسى ان يكتبه باسم "كتاب العهد" (خروج 24: 7، ملوك الثاني 23: 2، 21، أخبار الايام الثاني 34: 30) كما أن النبي إشعياء أكد هذه الحقيقة عندما كتب الكتاب ليكون شاهداً ضد شعب الرب إلى الأبد " تَعَالَ الآنَ اكْتُبْ هذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَارْسُمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إلى الدُّهُورِ" (اشعياء 30: 8، أنظر أيضاً تثنية 31: 19، 26). يقول ويين جررودم "إن وظيفة الكتابة مرتبطة بأن كلمات النبوة هي كلمات الله نفسه"20 ولهذا فهي نافعة لكل الناس وفي كل زمان. عندما قرأ موسى كتاب العهد في مسامع الشعب رد الشعب بصوت واحد قائلين «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ» (خروج 24: 7). فالكلمة المكتوبة من رجال الله القديسسن نظر إليها شعب الرب على أنها كلمة الرب. يقول بروكسيك "أن كل الكتاب اعُتبر "كلمة الله" ففى النص المكتوب اختفى التفريق بين الصوت الإلهي والطريقة البشرية التى عبر بها سواء شعراً أو أقوالاً مباشرة، فكل العهد القديم هو كلمة الله."21 إن العهد القديم لم يفرق بين كلمة الله المكتوبة والكلمة المقوله من خلال الأنبياء فكلتاهما كلمة الرب التى تحدث بها الله إلى شعبه، فسواء كانت في شكل نص مكتوب او في شكل كلام مسموع فهى كلمة الرب وتحمل سلطان الله. ثانياً: شهادة الرب يسوع عن الكتاب المقدس ⇑ كيف نظر الرب يسوع للأسفار المقدسه؟ وكيف تعامل مع كل الجوانب فيها؟ كيف نظر إلى تاريخ أحداث العهد القديم وكُتاب أسفار العهد القديم؟ الإجابة على هذه الاسئلة نجدها بوضوح في الأناجيل الاربعة فقد تناولت حياة السيد المسيح وخدمته وتعاليمه. ومنها نرى السيد المسيح قد تناول العهد القديم من أكثر من زاويه. هذه الزوايا سوف نتناولها بوضوح لأنها فى غاية الأهمية.
20Wayne Grudem, “Scripture: Self-attestation and the problem of formulating a Doctrine of Scripture,” in Scripture and Truth, 27.
21Prochsch, Theological Dictionary of the New Testament. Eds. Gerhard Kittel and Gerhard Friedrich. (Grand Rapids: Eerdmans, 1974), 4: 96.
22The present writer is in debt to John Wenham and his master work, Christ and the Bible (Grand Rapids: Baker, 1994), 16-44.
هذا الجدول يؤكد لنا أن الرب يسوع قَبل تاريخية أحداث العهد القديم وقَبل أيضاً تاريخية أشخاصه. طبعاً هذا عكس إيمان اللاهوتيين المحدثين الذين ينكرون تاريخية العهد القديم ويشككون في تاريخية شخصياته. أُعطى مثلاً واحداً على هذا وهو شخصية يونان، حتى القرن التاسع عشر كانت شخصية يونان فى الإيمان اليهودى والإيمان المسيحي شخصية تاريخية. لكن مع بداية القرن التاسع عشر بدأ البعض في التشكيك في تاريخية يونان النبي، فبالنسبة لهم يونان ليس شخصية حقيقة بل السفر كله يعتبر نوعاً من الفلكلور الشعبى (قصة غير واقعية الهدف منها التعليم او التسلية) كتبت فى زمن عزرا ونحميا حتى تساعد الشعب العائد من السبى أن يقبل الشعوب الاخرى ويسمح لهم بالعيش معهم فكثيرون من اليهود فى فترة السبى قد ارتبطوا بنساء أجنبيات. طبعاً هذا الكلام يخلو من الصحة وليس له أى سند كتابى أو تاريخي وليس المجال هنا أن أتحدث عن أدلة قاطعة لتاريخية يونان لكن ما ريد ان اتحدث عنه هو شهادة الرب يسوع عنه. فعندما طلب الكتبة والفريسيون من يسوع أن يصنع لهم أّية قال لهم "«جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإنسان فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال" (متى 12: 38- 40، لوقا 11: 29-30، 32). إن خطورة نكران تاريخية يونان النبي هى أنها تعتبر طعناً فى عقيدة لاهوت المسيح فهى تجرد المسيح من صفة "كلى المعرفة والعلم." فكيف ليسوع الذي نؤمن بأنه هو الله الذي ظهر فى الجسد أن يجهل إن كان يو نان شخصية تاريخية أم لا؟. إن الكتاب المقدس، العهد القديم أقر بأن يونان شخصية تاريخية ففي ملوك الثانى 14: 23-25 نقرأ "فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ لأَمَصْيَا بْنِ يُوآشَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يَرُبْعَامُ بْنُ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. لَمْ يَحِدْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ. 25هُوَ رَدَّ تُخُمَ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إلى بَحْرِ الْعَرَبَةِ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ النَّبِيِّ الَّذِي مِنْ جَتَّ حَافِر." فى شهادة الرب يسوع عن الكتاب المقدس نجد أنه ذكر مرات عديده أن الناموس قد أعطى من خلال موسى (متى 8: 4، 19: 8، مر 1: 44، 7: 10، 10: 5، 12: 26، لوقا 5: 14، 20: 37، يوحنا 5: 46، 7: 19. كما تحدث أيضا عن اّلآم ومعاناة أنبياء العهد القديم (متى 5: 12، 13: 56، 21: 34-36، يوحنا 2: 29-37، مر 6: 4. لقد تحدث يسوع أيضا عن مصداقية الأصحاحات الأولى من سفر التكوين والمتعلقة بخلق الكون والإنسان (متى 19: 4، 5، مر 10: 6-8).
25D.A. Carson, “Matthew” The Expositor’s Bible Commentary, Ed., Frank E. Gaebelein. (Grand Rapids: Zondervan, 1979). 143.
26John Wenham, Christ and the Bible, 33.
ثالثاً: شهادة رسل المسيح عن الكتاب المقدس ⇑ بطرس الثانية 1: 19-21 وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إلى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إلى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،عَالِمِينَ هذَا أولاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. هذا النص مهم جداً في دراستنا للوحي وعصمة الكتاب المقدس ولهذا يتطلب أن ننظر إليه باكثر تدقيق. يكتب الرسول بطرس رسالتة الثانية مذكراً المؤمنين بالامور التى تحدث معهم فيها في رسالته الأولى. فيقول لهم "لِذلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِمًا بِهذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي الْحَقِّ الْحَاضِرِ" (2بطرس 1: 12). إن إحساس بطرس بقرب ساعة موته جعله يؤكد هذه الحقيقة للمؤمنين حتى يتذكروا ويثبتوا على ما علمهم إياه "وَلكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقًّا مَا دُمْتُ فِي هذَا الْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِالتَّذْكِرَةِ، عَالِمًا أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ، كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ أَيْضًا" (1: 13-14)، وهو يعمل هذا "فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهذِهِ الأُمُورِ" (1: 15). لكن ما هى الأمور التى يذّكر الرسول بطرس بها المؤمنين؟ بالتاكيد هي أمور مرتبطة بمعرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. فمعرفة الرب يسوع موضوع أساسى في هذه الرسالة. فبطرس يبدأ رسالته بتحية المؤمنين قائلاً لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا" (1: 2) ثم يقول في عدد 3 " كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَة." لذلك في عدد 8 من نفس الأصحاح يتحدث بطرس عن معرفة الرب يسوع المسيح "أَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ." كما يختتم بطرس رسالته بتحذير وتشجيع: تحذير من الانقياد بضلال الأردياء، وحث للنمو في النعمة ومعرفة الرب يسوع المسيح "فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ، فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ. وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإلى يَوْمِ الدَّهْرِ. آمِينَ" (2بطرس 3: 18). ابتداءً من عدد 16 يتحدث بطرس عن اختبار التجلي عندما اخذ يسوع معه بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد بهم إلى جبل التجلى وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمش...وظهر له موسى وإيليا يتكلمان معه... وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا" (متى 17: 1-8). يقول بطرس للمؤمنين إنه لم يتبع خرافات مصنعة بل إنه عرفهم بقوة المسيح ومجيئه. فالحديث عن يسوع الرب ليس من اختراع بشر كما أنه ليس قصة جميلة دون أساس تاريخي (خرافة) بل العكس إن ربوبية المسيح هى حقيقة واقعية راّها بطرس بعينيه وسمع صوت الاّب من السماء وشهادته عن الابن المحبوب. يقول بطرس "وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ" (1: 18). بالرغم من شهادة بطرس التي تعتبر شهادة عيان عن مجد وكرامة المسيح، شهادة تضمنت النظر والسمع، إلا أن بطرس يقول في العدد التالى "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ..." (1: 18). بالرغم من شهادة بطرس واختباره إلا إنه يقول للمؤمنين "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ"، أي أن شهادة الكلمة النبوية عن المسيح أثبت من أى شهادة، فهي أعظم من الاختبار الشخصى وأثبت من أى شئ. بهذه الشهادة يقول الرسول بطرس إن "الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ" أكثر ثباتاً وأكثر وضوحاً من أي شهادة أخرى. لكن ما هي الكلمة النبوية Προφητικον λογον 27التى يتحدث عنها بطرس الرسول هنا؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول انه يوجد بُعدان للكلمة النبوية: البعد الأول: هو أن الكلمة النبوية تشير إلى العهد القديم. فموسى نبي الله وكل الأنبياء هو "الكلمة النبوية" فأنبياء الرب تكلموا بكلمة الرب وسجلوا كلمة الرب في الأسفار المقدسه. والبعد الثاني هو أن "الكلمة النبوية" لا تشير فقط إلى العهد القديم بل إلى العهد الجديد أيضاً. فبطرس شهد عن رسائل الرسول بولس وأن بولس كتب للمؤمنين لكى يجتهدوا ليوجدوا عند المسيح بلا دنس ولا عيب في سلام. كما تحدث ايضاً عن هؤلاء الذين يحرفون الأمور عسرة الفهم التى تحدث عنها بولس. إن حديث بطرس هذا عن كتابات بولس هو شهادة على أن اسفار العهد الجديد قُبِلت من الرسل والكنيسة الأولى على أنها أسفار موحي بها من الله وطبيعة "الكلمة النبوية" على أنها حق لأنها كلمة الرب الإله الحق "المنزه عن الكذب" (تيطس 1: 2). وبما ان الله منزه عن الكذب وإله حق فكلمته ايضاً منزهة عن الكذب ولا تقول إلا الحق. فبطرس يقول إن "الكلمه النبوية" تؤكد كلامه وشهادته عن الرب يسوع وإن ما اختبره هو حق. يقول ج بيكر إن قول الرسول بطرس "وعندنا الكلمة النبوية" يؤكد بكل وضوح مصداقية كلمة الله." لكن من أين تستمد الأسفار المقدسة مصداقيتها؟ هل مصداقية الأسفار المقدسة مرتبطة بالكاتب البشري أم بالروح القدس؟ بالتأكيد فإن مصداقية الأسفار المقدسة مؤسسة أولاً وأخيراً على أن مصدرها هو الله وليس البشر. لهذا السبب يقول الرسول بطرس "أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." نلاحظ هنا حقيقتين في غاية الأهمية: الحقيقة الأولى هي "أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان"، بمعنى أن المصدر الأساسى للنبوات هو الله وليس البشر. فالأنبياء لم يتنبأوا من عندياتهم لكن ما تكلموا به هو من الله. إنه قول جامع يشمل كل نص سواء كان تاريخياً أم جغرافياً أم علمياً أم سلوكياً وسواء ما يتضمنه هو إعلان عن طبيعة الله أم هو إعلان عن طبيعة الإنسان أو الكون؟. ولهذا فمن الخطورة أن نختار ما يحلو لنا ونقول أن هذا القول هو موحي به وذاك القول غير موحي به. فالكتاب المقدس كله هو كلمة الله ولهذا فهى تحمل صفات الله وأهمها الصدق والحق. والحقيقة الثانية مرتبطه بالجانب البشرى "أناس الله القديسون" فمع أن الكتاب المقدس هو كلمة الله إلا انه أيضا كلمة بَشَر بمعنى أن الله استخدم بشراً في كتابته وهذا هو سر الأختلاف في الأسلوب فالله لم يمحو شخصية الكاتب بل سخرها لتكون أداة في يده "مسوقين من الروح القدس." ان كلمة مسوقين θερομενοι تشير إلى السفينة التى تسيرها قوة الرياح، كما أنها تشير إلى غصن الشجرة الذى تحمله مياه متحركه كيفما تشاء، فهى تشير إلى التحكم الكامل لروح الله، تحت سيطرة وقيادة الروح القدس حتى ان كل ما كتبوه هو بالضبط ما أراده الله أن يُكتب دون زيادة أو نقصان. بعدما أُطْلق اليهود بطرس ويوحنا وأَتَيَا إلى رُفَقَائِهِمَا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ من تهديد ووعيد، تقول كلمة الرب "فَلَمَّا سَمِعُوا، رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتًا إلى اللهِ وَقَالُوا:«أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ؟..."(أعمال 4: 23-25). ان الله هو مصدر نبؤات داود "القائل بفم داود" أى أن داود لم يقل من عنده شيئاً بل كل ما كتبه داود في المزامير هو أولاً وأخيراً كلمة الله التى تكلم بها على فم داود. كذلك الرسول بولس قَالَ «...إِنَّهُ حَسَنًا كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ..." فالروح القدس تكلم للاّباء من خلال فم إشعياء النبي، فالله هو المصدر لنبوة إشعياء. يقول بيكر "إن المفهوم الذي يجب أن يكون عندنا بخصوص الوحي هو الوحي المتجسد، بمعنى أنه كما أن شخص المسيح يسوع ابن الله إذ أخذ طبيعة بشرية لم يؤثر ذلك على طبيعته الإلهية، كذلك كلمة الله الكتاب المقدس قد كُتبَ بلغة بشرية لكنه ظل، من حيث الجوهر، كلمة الله."28 ان هذه الحقيقة تقودنا إلى الإيمان بمصداقية كلمة الله وعصمتها من أى خطأ!
27James I Paker, “A Lamp in A Dark Place,” in Can We Trust the Bible, (Wheaton: Tyndale, 1979),22.
28Ibid 23., |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الثالث إن موضوع العصمة مرتبط بنزاهة وخلو الكتاب المقدس من أى خطأ. لكن ماذا نعني بالقول إن الكتاب المقدس معصوم ومنزه عن كل خطأ؟ يقول يونج إن كلمة "معصوم" تعني أن "الكتاب المقدس يملك سلطاناً لا يزول أو كما عبرَّ المسيح عنه:"لا يمكن أن ينقض المكتوب" (يوحنا 10: 31)... وهذا يعنى أن الكتاب المقدس لا يمكن أن يسقط أو يزول فى أحكامه وقراراته، وأن تعاليمه جميعاً ذات سلطان نهائي دائم ولا تقبل العكس أو الخطأ او التناقض، بل تعلو على البطلان والزيف والشطط، ويمكن أن يقال عن الحق المتضمن فيها، إن السماء والارض تزولان دون أن يزول هذا الحق أو يتراجع أو يبيد أو ينقض."29 فالعصمة تشير إلى خلو الكتاب المقدس من كل خطأ، فهو منزه عن الغلط والكذب والبهتان. يقدم المعترضون على عصمة الكتاب المقدس بعض الأسباب التى يقولون إنها وراء رفضهم للعصمة المطلقه للاسفار المقدسة.
29Ibid., 134.
لمزيد من التفاصل انظر الباب الرابع.30
31Daniel P. Fuller, "The Nature Of Biblical Inerrancy," in the American Scientific Affiliation Journal. XXIV/2 (June 1972) 50. 24See also Montgomery, John Warwick, God's Inerrant Word, (Minneapolis: Bethany Fellowship Inc.,1973),. حقائق مرتبطة بعصمة الكتاب المقدس ⇑ هنا نحتاج أن نوضح لمن يعترضون على عصمة الكتاب المقدس ويرفضونها أن العصمة، بحسب تعريف اللاهوتي ميلر اريكسون، تعني "أن الكتاب المقدس عندما يفسر تفسيراً صحيحاً في ضوء الثقافة ووسائل التواصل في زمن الكتابة وفي ضوء الغرض من اعطائه لنا، فهو كامل في كل ما يؤكده."32 من هنا ينبغى أن نؤكد بعض الحقائق الخاصة والمرتبطة بالعصمة
32 Millard J. Erickson, Introducing Christian Doctrines, (Grand Rapids: Baker, 1993), 62.
33Young, Thy Word is Truth, 122. 34William R. Richhorst, The Issue of Biblical Inerrancy: In Diffinition and Defence (Mas: Winnipeg Bible College), n.d., 9. العصمة المحدودة والعصمة الكاملة ⇑
قال لى يوما واحدُ من الزملاء ليس عيباً أو خطراً أن نقول إن الكتاب المقدس يتضمن أخطاء ثم ألتفت إليَّ وقال، "فيها ايه لو قلنا إن العصمة تشمل فقط ما هو ضرورى للإيمان والأعمال؟" هل فعلاً الأمر بهذه البساطه؟ لا أظن أن زميلي هذا فكّرَ فى المخاطر التي تتبع هذا القول. هل فكر فى تبعيات هذا الفكر على الإيمان المسيحي؟ هل فكر كيف سيؤثر هذا الفكر على رسالة الإنجيل، رسالة الخلاص؟ هل فكر فى تأثيرهذا الفكرعلى إيماننا بالله وصفاته ومصداقية إيماننا فى شخص المسيح ولاهوته؟ إن فكرنا عن الكتاب المقدس يتحكم فى كيفية تفسيره وطريقة الوعظ به. لهذا أريد أن أوضّح عن لماذا تعتبر العصمة مهمة؟ أولا: أهمية لاهوتية: 36الرب يسوع ومن بعده تلاميذه بطرس وبولس وغيرهم اعتبروا أن التفاصيل المذكورة في كلمة الله لها سلطان كما أنهم أعتبروا أن الكتاب المقدس هو كلمة الله التى أوحي بها من خلال أنبياءه ورسله، ولأن الله صادق وحق "منزه عن الكذب" (تيطس 1: 2) فلن يوصل لشعبه إلا ما هو حق وصدق. ولأن العصمة مرتبطة بالوحي الإلهي فأى شك وطعن في عصمة الكتاب المقدس هو شك وطعن في الإيمان بالوحي الالهي. بالإضافة إلى ذلك ترتبط أهمية العصمة بصفة المعرفة الكلية لله. صفة من صفات الله التي تميزه عن البشر هي معرفته الكاملة والتي يمكن أن نعرّفها على أنها "ليست فقط أن الله يعرف كل شئ بل معرفته معرفة كاملة ومطلقة لكل الأشياء." يقول جرودم إن المعرفة الكلية لله هي "أن الله يعرف نفسه معرفة كلية ويعرف كل الاشياء معرفة حقيقية وممكنة منذ الأزل." هل فكرنا ماذا يعني في أبعاد الإدعاء بأن الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله حافل بالأخطاء؟ هل الله الذي هو كلىّ المعرفة والقدرة غير قادر أن يعطي كلمة خالية من كل خطأ؟ يقول أدوارد يونج "إن هذا الأمر ليس بالكريم البتة اذ ينسب إلى الله، بل هو فج ومعيب، ومن الصعوبة بمكان إجلال أي إله يكون على هذه الصورة، بل كيف نعبد ونثق بمن يعجز عن أن يعطي كلمة موثوق بها للجنس البشرى،... إن هذا الأمر يدخلنا في الواقع إلى لب الموضوع، لأنه اذا كانت الكلمة الإلهية التي ترجع إلى نفخة الله، لا تخلو من الخطأ، فإن النتيجة اللاحقة لذلك بداهة، أنه هونفسه لا يخلو من الخطأ" إن هذا الإله ليس هو إله الكتاب المقدس، قد يكون الإله الذي يعرفه ويتعبد له اللاهوتيون المعاصرون لكنه بكل تأكيد ليس الإله الحقيقي خالق السماء والأرض. يقول يونج، "إن الاّب السماوي الذي يستطيع الإنسان أن يحد قدرته وسلطانه وإعلان كلمته، ليس في أفضل الحالات إلا كائناً محدوداً نظيرنا، قد يكون أكثر قدرة، غير أن هذا الفرض فى حد ذاته ما يزال موضع التساؤل،... واذا كنا نملك كبشر تشويه الإعلان بأخطائنا... فإن الإله الذي يمكن أن يحد بخلائقه، هذا الإله، لا يمكن أن يكون إلهاً على الاطلاق." واذا أمكن أن نتصور أن كلمة الله التي هى أنفاس الله تحتوى على أخطاء، فهذا يعني أن الله يخطئ، وحاشا لله أن يخطئ. يقول يونج "إن أي تهاون في قبول أن الكتاب المقدس معصوم لا يضع الكتاب المقدس وحده في خطر، بل أكثر من ذلك يضع الله ذاته وكرامته وصدقه ومجده في أدق المواضع،... إن تصور أن النص الأصلي لكلمة الله خاطئ وغير معصوم يعني أن الكلمة التي خرجت من فم الله ليست كاملة، وأن إله الحق نفسه مدان بالذنب، وإذا كانت كلمة الله باطلة، وهو مدان بالبعد عن الحق، فإنه يُبنىَ على ذلك النتيجة التي لا مهرب منها، وهي أن الديانة المسيحية ديانة باطلة،... ومن ثم فإن الممسكين بالعقيدة الكتابية السليمة في الوحي، يعتبرون من أهم الامور عدم التزحزح قيد أنمله عن اليقين بسلامة النص الأصلي وبعده الكامل عن أى خطأ أو تحريف"38 ثانيا: أهمية تاريخية: أمنت وتمسكت كنيسة المسيح عبر العصور والأزمنة بعصمة الأسفار المقدسة بل إن الكتاب المقدس كان ومازال المصدر الوحيد لإيمان الكنيسة وأساس عقيدتها. والشك في عصمة الكتاب هو شك في العقيدة المسيحية التى اّمنت ونادت بها الكنيسة عبر العصور بل دافعت عنها أمام الملوك والهراطقة والامبراطوريات لدرجة أن كثيرين استشهدوا لأنهم تمسكوا ونادوا بها. ثالثاً: أهمية مرتبطة بالمعرفة: والسؤال الفلسفي المرتبط بالمعرفة هو "كيف لنا أن نعرف؟" فبما أن المعرفة المسيحية والحق الذي نتمسك به هو مبني على الكتاب المقدس وتعاليمه فلا بد أن يكون الكتاب المقدس معصوماً لأن المعرفة التى تبنى على غير الحق تصبح غير حق والمعرفة التى تبنى على خطأ تعتبر خطاً. فإذا قلنا إن الكتاب المقدس غير معصوم تكون أيضاً عقائدنا المسيحية التي بنيت على الكتاب المقدس هشة لأنها بنيت على أساس هش وغير صحيح، وإذا قلنا أن التاريخ والأمور العلمية التي في كلمة الله غير معصومة بل فيها أخطاء فكيف لنا أن نضمن أن ما يقوله الكتاب المقدس بخصوص الخلاص حق وليس خطأ. فإذا كان المصدر لكلمة الله هو واحد "الروح القدس" فإما أن يكون كله صحيحاً وحقاً أو لا يكون. فمثلاً نسب الرب يسوع وميلاده العذراوي وحياته وموته وقيامته كلها أمور تاريخية لا يمكن أن تخرج خارج التاريخ. فإما أن يكون تاريخ المسيح صحيحاً وبذلك يكون المسيح ونسبه صحيحاً، وإما أن يكون التاريخ خطأ وبذلك يكون المسيح ونسبه وموته وقيامته خطأ. رابعاً: العصمة ورسالة الخلاص (الانجيل)- إن الإنجيل هو الخبر السار ويتضمن حقيقة موت المسيح ودفنه وقيامته وصعوده (1كورنثوس 15:1-3)، ويقول الرسول بولس عن هذا الإنجيل أنه "قوة الله للخلاص" (رومية 1: 16)، ولهذا لا يستحى به. لكن كيف يمكن أن نقدم للعالم إنجيلاً موثوقاً به أذا كان قد وصل الينا في كتاب غير موثوق به فى أبسط الحقائق التى يتضمنها؟؟؟ بمعنى آخر اذا قلنا إن متى أو لوقا أخطئا فى سلسلة نسب المسيح فكيف نثق أن ما كتباه عن حياة وصلب وموت وقيامة المسيح حقيقى؟ إن أي طيار عاقل سيحاول الهبوط بطائرته اذا اكتشف أن هناك عطلاً بها وإلا لعرض حياته وحياة من معه لخطر الموت. فإذا كان الكتاب المقدس يتضمن أخطاء تاريخية فما هو الضامن لنا أنه صادق فى باقى الحقائق الإيمانية؟ يقول برين ادوارد "إن الرسالة المسيحية ممتدة بجذورها فى التاريخ...فالتجسد – الله الذى صار إنساناً قد ثبت بالميلاد العذراوى والفداء – الثمن الذى دُفع من أجل غفران خطايانا قد تم بموت المسيح على الصليب، والمصالحة – الامتياز الذى يحصل عليه الخاطئ بالإيمان قد مُنح للإنسان نتيجة قيامة المسيح وصعوده للسماء، فإذا كانت هذه الأحداث غير حقيقية فكيف يمكننا أن نؤمن أن اللاهوت الذى نستقيه منها حقيقى؟"39 خامساً: العصمة وإيماننا فى طبيعة المسيح – إن إيماننا بعصمة الكتاب من عدمه يتحكم بشكل مباشر وغير مباشر فى نظرتنا وثقتنا فى الابن يسوع المخلص، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون عندنا مخلص موضع ثقة إلا اذا كان عندنا كتاب موضع ثقة. إن معرفتنا عن شخص المسيح تأتي من الكتاب المقدس، فالأناجيل الأربعة (متى ومرقس و لوقا ويوحنا) تحكى لنا عن ميلاده وحياته وخدمته وأعماله وتعاليمه وموته وقيامته وصعوده. هذه المعرفة غير ممكنة خارج الكتاب المقدس. تخيلوا لو ان الأناجيل التى تتحدث عن حياة المسيح تحتوى على أخطاء أو كما يقول البعض ان يسوع الذى تتحدث عنه الاناجيل يختلف عن يسوع التاريخى ولهذا يفصلون بين مسيح الايمان (المسيح الذى اّمن به التلاميذ وكتبوا من منطلق إيمانهم به) ويسوع التاريخ وكأن هناك مسيحين وليس مسيحاً واحداً. إن الشك فى تاريخية أى حدث سجلته الأناجيل يجعل باقى الأحداث موضع تساؤل. سادساً: العصمة وعلم التفسير- كيف نقترب للكتاب المقدس؟ هل نقترب اليه على أنه كلمة الله النقية والمعصومة ولهذا نخضع لها ونصدق ما فيها ونجعل سلطانها فوق اى سلطان؟، ام نقترب اليها على أنها تحتوى على أغلاط واخطاء ولهذا نُخضعها لذواتنا ونُنصب أنفسنا حكاماً وننظر إليها من العلاء. اتذكر هنا إجابة رجل الله جون وسلى عندما سئل ان كان حقاً يؤمن إن الحوت بلع يونان فقال "لو كان الكتاب المقدس قد قال أن يونان هو الذي بلع الحوت لكنت أيضاً أصدقه."
35Edward J. Young, Thy Word is Truth, 20.
36Ibid., 61. 37Ibid., 85. 38Ibid., 39Brain Edwards, Nothing but the Truth: The Inspiration, Authority and History of the Bible Explained (New York: Evangelical Press, 2006), 129-30. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الرابع قانونية الأسفار المقدسة ترتبط بتحديد أى من الاسفار موحي بها لتصبح جزءاً من الكتاب المقدس وأى من الأسفار غير موحي به فلا تضاف للكتاب المقدس. الكلمة κανων "قانون" فى اللغة اليونانية تعنى "العصا المستقيمة" التى تستخدم فى القياس ولهذا فمعنى كلمة "قانون" هو مقياس. ولأن عصا القياس تحتوى على علامات وإشارات لتحديد الطول فقد استخدمت لتشير إلى الأسفار المقدسة أو مجموعة الأسفار التى أدركها شعب الله وصارت ضمن الكتاب المقدس. الأسفار التى قبلت ككتب مقدسة سميت "أسفار قانونية." فالأسفار القانونية هى التى نستقى منها إيماننا وأعمالنا. من المهم أن ندرك أن دور المجامع المقدسة كان فى إدراك وقبول ما هو موحي به من الله. فقبول الكنيسة للأسفار لم يجعلها موحي بها من الله بل لأنها موحي بها من الله أولاً قبلتها المجامع المقدسة والكنيسة. يقول جى أي بيكر إن دور شعب الله او الكنيسة شبيه بدور العالم إسحق نيوتن الذى اكتشف قانون الجاذبية الارضية هذا القانون الموجود منذ أن خلق الله الكون، فقد أعطانا الله الجاذبية عندما خلق الكون ولهذا فهى ليست من إختراع بشر، كذلك الأسفار المقدسة هى كلمة الله التى تكلم بها من خلال أنبياءه القديسين وقبول الكنيسة لها هو إدراك بأن الله هو مصدرها وأنها كلمة الله الموحي بها، فلأنها موحي بها قبلها وأدركها شعب الله. وكما أن الجاذبية الأرضية تشهد عن نفسها ووجودها كذلك فإن كلمة الله تشهد عن نفسها ووجودها فلا يجد الإنسان أمامه إلا إدراكها والإعتراف بها. هذه الحقيقة تؤكد أنه لا يوجد سلطان فوق سلطان الله نفسه، فكيف يمكن للكنيسة أن تحكم على سفر بأنه كلمة الله إن لم يكن هذا مبنياً على أساس سلطان الكلمة نفسها وشهادة السفر والروح القدس. يقول المصلح جون كالفن أن "أعظم خطأ هو الاقتناع الشائع بأن الأسفار المقدسة أصبح لها وزن وثقل لأن الكنيسة قبلتها وكأن كلمة الله الأبدية متوقفة على قرار البشر. " كما يقول اللاهوتي السويسرى لويس جوسين إن تطور قانونية أسفار الكتاب المقدس يمكن تخيله إذا تخيلنا أمراة تسير فى حديقة مليئة بالزهور مع صاحب هذه الحديقة، وإذ هما يسيران يقطف صاحب الحديقة زهرة ويقدمها للمرأة، ثم بعد فترة أخرى يقطف زهرة أخرى ويقدمها، فثالثة ورابعة وخامسة...الخ حتى يجتمع فى يدها باقة جميلة ومتكاملة من الزهور. هذا الباقة وجدت فى يدها فعلياً مع أول زهرة قُدمت لها. هكذا قانونية أسفار الكتاب المقدس، هى موجودة بين أيدي شعب الرب مع اللحظة الأولى التى قدم فيها الله أول سفر لشعبه، فالله أعطى شعبه ألأسفار المقدسة التى يريدها أن تكون ألأسفار القانونية. بدأت قانونية العهد القديم مع موسى وكتابته للأسفار الخمسة الأولى او ما يطلق عليه أسم "التوراة،" هذا واضح فى سفر الخروج 24: 3-4 "فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ». فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ." أعتُبرت كتابات موسى أساساً للإيمان وأعمال شعب الله، فكانت تقرأ عليهم من وقت للآخر "فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إلى تَمَامِهَا، أَمَرَ مُوسَى اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: «خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ" (التثنية 31: 24-26). كما أوصى موسى عبده يشوع بأن "لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ" (يشوع 1: 8) ولهذا نقرأ أن يشوع فعل كل ما أمره به الرب "كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى عَبْدَهُ هكَذَا أَمَرَ مُوسَى يَشُوعَ، وَهكَذَا فَعَلَ يَشُوعُ. لَمْ يُهْمِلْ شَيْئًا مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ مُوسَى" (11: 15). كما أمر الرب أن كل ملك يجلس على كرسى المملكة يعطى نسخة من التوراة لتكون معه ليتعلم أن يتقى الرب ويحكم بحسب المكتوب فيها "وَعِنْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ، يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ، فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَهُ وَيَحْفَظَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهذِهِ الْفَرَائِضَ لِيَعْمَلَ بِهَا" (تثنية 17: 18-19). على أساس الطاعة للمكتوب توقف كل تاريخ ملوك اسرائيل ويهوذا كما توقف مصير شعب الرب كله (ملوك ألأول 2: 3، 3: 14، دانيال 9: 11، ملوك الثانى 17: 7-13، 21: 7-9، 23: 2-4). من بعد موسى ويشوع أقام الله أنبياء كثيرين كما قال الرب لموسى (تثنية 18: 15-22)، لقد أدرك شعب الرب أن الأنبياء الذين أتوا من بعد موسى كتبوا كلمة الله ولهذا يصُنف الكتاب العبرى أسفار يشوع وقضاة وصموئيل الأول والثانى وملوك الأول والثانى على أنها كتب أنبياء (ألأنبياء المتقدمين). وصف النبي أشعياء نبؤته على أنها "الشهادة" و "الشريعة" (8: 16) كذلك النبي أرميا الذى أوصى بأن تكتب كل نبؤاته فى كتاب (إرميا 36)، كذلك نقراْ عن النبي دانيال الذى كان صغيراً ومعاصراً لأرميا انه شهد على أن كلمات أرميا هى كلمات الرب نفسه " أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ الْكُتُبِ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إلى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ... وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأنبياء الَّذِينَ بِاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ...وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَحَادُوا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ، فَسَكَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَالْحَلْفَ الْمَكْتُوبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ" (دانيال 9: 2، 6، 11). لقد شمل الوحي كتابات الأنبياء الكبار وكذلك الصغار حتى نبوءة ملاخى التى من بعدها توقف الوحي، هذه الفترة يطلق عليها سنوات الصمت والتي أمتدت لأربع قرون حتى ظهور الملاك لزكريا الكاهن أبو يوحنا المعمدان. ينقسم العهد القديم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: التوراة و ألأنبياء والكتب. أتبعت الترجمة السبعينية LXX ومن بعدها الترجمات الأخرى ترتيباً يركز على الموضوع، مختلفاً إلى حد ما عن ترتيب الأسفار فى النسخة العبرية المازورية MT . فالعهد القديم الذى بين أيدينا ينقسم إلى الآتى:
شهد الرب يسوع أكثر من مرة بقانونية جميع أسفار العهد القديم. ففى حديثه مع تلميذى عمواس قال لَهُمَا:«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأنبياء! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إلى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأنبياء يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لوقا 24: 26-27). كما تحدث أيضاً مع تلاميذه فى العلية قائلاً " أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأنبياء وَالْمَزَامِيرِ» (لوقا 24: 44). وفى هذا نرى الأقسام الثلاثة الرئيسية للعهد القديم: الناموس والأنبياء والكتب (التي يدعوها هنا "المزامير" وذلك لأن سفر المزامير هو أول وأطول سفر فى هذا القسم). وفى متى 23: 35 وبعد أن ذكر الرب يسوع سلسلة من الويلات للكتبة والفريسين قال لهم "لكى يأتى عليكم كل دم زكى سُفك على الآرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح." هابيل هو الشهيد الأول (تكوين 4: 8) وزكريا بن برخيا رُجم فى الهيكل وقد ذكرت قصته فى سفر أخبار الأيام الثانى 24: 21. وكما نعلم فإن أسفار العهد القديم فى النص العبري تبدأ بسفر التكوين وتنتهى بسفر أخبار الأيام الثانى وهنا كأن الرب يسوع يقول من أول سفر إلى أخر سفر أى من التكوين لملاخى (بالنسبة للترتيب الذى بين أيدينا فى الترجمة العربية والترجمات الأخرى). كما شهدَ المؤرخ يوسيفوس فى نهاية القرن الأول الميلادى أن عدد أسفار العهد القديم هى 22 والسبب فى ذلك هو أنه اعتبر سفري القضاة وراعوث سفراً واحداً وذلك لأن سفر راعوث تاريخياً يعود إلى زمن القضاة وكذلك اعتبر سفري إرميا ومراثى إرميا سفراً واحداً. أغلب الظن أن سفري راعوث ومراثى إرميا انفصلا عن القضاة وإرميا لأنهما حُسبا بحسب التقليد اليهودى مع أسفار الجامعة و إستير ونشيد الأنشاد فى الأعياد اليهودية ولهذا لقبت بالميجيلوت Megilloth. فسفر نشيد الأنشاد كان يُقرأ فى عيد الفصح (فى الشهر الأول)، وسفر راعوث فى عيد الخمسين (فى الشهر الثالث)، وسفر مراثى إرميا فى Tishe'ah be'ab التاسع مع أب (الشهر الخامس)، وسفر الجامعة يُقرأ فى عيد المظال (الشهر السابع)، وسفر إستير فى عيد الفوريم (الشهر الثاني عشر). بقيت كلمة أخيرة مرتبطة بقانونية أسفار العهد القديم وهي أنه بالرغم من أن قانونية أسفار العهد القديم قد انتهى الحديث فيها وخُتمت منذ عدة قرون قبل الميلاد إلا أنه كان هناك حديث ونقاش محدود جداً بين علماء اليهود بخصوص سفري الجامعة وإستير. مع العلم أن هذين السفرين كانا ضمن الأسفار القانونية للعهد القديم إلا أن النقاش بخصوصهما لم ينته إلا فى مجمع جامنيا سنة 90 م، ولهذا يطلق العلماء عليهما اسم Antilegomena أي"الاسفار التى اعترضَ عليها". هذه الاعتراضات كانت بحسب علماء اليهود أعتراضات بسيطة جداً وناتجة عن سوء فهم من البعض للرسالة الاساسية لسفرى الجامعة و إستير. فبالنسبة لسفر أستير كان الاعتراض هو أن اسم الله لم يذكر فى السفر على الاطلاق، مع أن هذا القول صحيح إلا ان الشخصية الاساسية فى كل سفر أستير هى شخصية الله وعمل العناية الالهية، فالله هو الشخص الذى تتحكم فى كل الامور من وراء الستار. أما بخصوص سفر الجامعة فكانت الإعتراضات أن السفر لا يذكر وجود حياة بعد الموت كما أنه يحمل بصمة تشاؤمية عن كل شئ. طبعاً هذه الاعتراضات ليس لها أساس من الصحة فدراسة السفر بتدقيق وفهم الأسلوب المميز الذى يستخدمه الكاتب فى توصيل الحق يؤكد أن قصد الكاتب هو ان يوصل للقارئ وللسامع أن كل ما فى الحياة من مال وعلم وجاه... ليس له قيمة ولا منفعة إن لم يكن الإنسان منشغلاً بما وراء الشمس أي بالأبدية. فى البداية كانت الكنيسة الأولى بعد نشأتها فى يوم الخمسين تعتمد على العهد القديم وتعاليم المسيح التى كان التلاميذ يتناقلونها شفاهة مع الرسائل والاعلانات التى كان الله يمنحها للرسل ولأنبياء العهد الجديد، فالعهد الجديد استغرق اكثر من 50 سنة حتى كتب واكتمل. وحتى بعد كتابة أسفار العهد الجديد، فإن بعض الأسفار قبلت بسرعة وتناقلت رسالتها من مكان إلى مكان فى وقت قصير جدا ولم تجد أى اعتراض عليها سواء من أشخاص او كنائس كذلك الأناجيل الأربعة ورسائل الرسول بولس. والأسفار التي قبلت بسرعة أطلق عيها القديس ايوسيبيوس إسم Homolegoumena "المعترف بها" أما الأسفار التي أثير حولها بعض الاسئلة واستغرقت وقتاً أطول من الكنيسة حتى تقبلها ضمن قانونية العهد الجديد فأطلق عليها اسم Antilegomena أي الأسفار التي "تحدث ضدها." مثال لذلك رسالة العبرانيين وبطرس الثانية، فعدم معرفة كاتب رسالة العبرانيين وعدم ذكر اسمه كما هو شائع في بقية الأسفار جعل السفر موضع تساؤل من البعض، كما أن أختلاف اسلوب رسالة بطرس الثانية عن الرسالة الأولى جعل البعض يشك فى أن يكون بطرس هو كاتب الرسالة الثانية. تاريخياً كان هناك عدة أسباب دعت الكنيسة أن تقرر الأسفار القانونية للعهد الجديد. أولاً: هرطقة مارسيون الذى نادى بأن إله العهد القديم يختلف عن إله العهد الجديد. فالله فى العهد القديم إله قاسٍ أما رسالة المسيح فهى رسالة عن الله المحب، نتيجة لهذا الفكر الخاطئ قرر مارسيون أن يرفض كل الأسفار التي ترتبط من قريب أو بعيد بالعهد القديم وفكر العهد القديم، فرفض معظم أسفار العهد الجديد فيما عدا إنجيل لوقا وعشرة رسائل للرسول بولس. أن تعاليم مارسيون الخاطئة جعلت الكنيسة تقف لتؤكد قانونية العهد الجديد وأن اسفار العهد الجديد اكثر من مجرد إنجيل لوقا ورسائل الرسول بولس. ثانياً: انتشار الكتابات الغنوسية بالأخص فى صعيد مصر (نجع حمادي) وهى التى تضمنت خرافات وقصصاً غير حقيقة عن يسوع الناصري (انجيل توماس وانجيل يهوذا...الخ). ثالثاً: قرار الامبراطور دقلديانوس بأن يدمر الكتب المقدسة وبأنه سيقتل كل من يحتفظ بالكتب المقدسة جعل المسيحيون يعرفون أي الكتب تستحق أن يموتوا من أجلها. ومع منتصف القرن الثانى الميلادي كان مفهوم الكتب القانونية مفهوماً شائعاً. فايريناوس(180 م) أسقف ليون وتلميذ بوليكاربوس يتحدث فى كتابه "ضد الهراطقة" عن الأناجيل الأربعة ويقتبس من سفر الأعمال ورسائل بولس (رومية ورسالتي كورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وكولوسى ورسالتي تسالونيكي ورسالتي تيموثاوس وتيطس) ورسالة بطرس الأولى ويوحنا الأولى وسفر الرؤيا. كما أنه يؤكد على أن الكنيسة مبنية على أساس الرسل وأن الاناجيل الاربعة كانت حقيقة ثابتة معروفة ومقبولة فى كل العالم المسيحي. كما أن هيبوليتوس الرومانى المعاصر لاريناوس يقتبس فى كتاباته من أغلب أسفار العهد الجديد. ومع بداية القرن الثالث نجد أدلة واضحة على قانونية العهد الجديد فى كتابات الآباء مثال ترتوليان وكليمندس الاسكندرى وأريجانوس الذين إمتلأت كتاباتهم بإقتباسات من كل اسفار العهد الجديد. السفر الوحيد الذى كان موضع تساؤل مع القرن الثالث هو سفر العبرانيين. وأول قائمة لأسفار العهد الجديد هى التى قدمها لنا القديس أثناسيوس الإسكندرى سنة 367 م، لكن ليس معنى هذا أن قانونية أسفار العهد الجديد لم تكن قد قررت قبل ذلك، فالأسفار القانونية أدركتها واعترفت بها الكنيسة منذ لحظة كتابتها وهذا ما تؤكده كتابات الآباء الذين اقتبسوا من كل أسفار العهد الجديد. أن ما حدث فى مجمع هبُو سنة 393 م كان مجرد الاعتراف العلنى المصحوب بسلطان المجمع المقدس بأن الاسفار السبعة والعشرين التى قبلتها الكنيسة منذ زمن كتاباتها هى الأسفار القانونية للعهد الجديد وبهذا ينتهي أي تساؤل حول صحة قانونية أسفار العهد الجديد. لكن ماذا عن أسفار أبوكريفا او ما يطلق عليها أيضاً Deutero-Conanical Books "الأسفار القانونية الثانية"؟ يدّعي الكاثوليك والأرثوذكس بأن البرتستانت قد قاموا بحذف الكتب التالية من الطبعات البروتستانتية للكتاب المقدس: طوبيا، يهوديت، تتمة أستير، حكمة سليمان، حكمة يشوع بن سيراخ، باروخ، تتمة سفر دانيال، المكابيين الأول والثاني. وللرد نسرد بإختصارالحقائق التالية بخصوص هذه الكتب:
كل هذه الحقائق بخصوص أسفار الأبوكريفا كانت كفيلة بأن يقرر علماء اليهود ومن بعدهم الرب يسوع والعهد الجديد ثم المصلحون ودار الكتاب المقدس على مستوى العالم أن هذه الاسفار ليست قانونية ولا ترتقى لتكون جزءاً من الوحي الالهي. من الاعتراضات التي يرددها الرافضون لعصمة الكتاب المقدس إعتراض مرتبط بالمخطوطات الأصلية. فهم يقولون بما أن العصمة مرتبطة بالمخطوطات الأصلية للكتاب المقدس وبما أن هذه المخطوطات غير موجودة فلا يوجد ما يضمن لنا أن النص الذى بين أيدينا هو نسخة طبق الأصل من المخطوطة الأصلية؟ طبعاً عدم وجود المخطوطات الأصلية ليس دليلاً على عدم عصمة الكتاب المقدس، لأن ما لدينا من مخطوطات، بل الآف المخطوطات، والترجمات الكثيرة جداً كافية بأن تقودنا إلى النص الأصلى لإعلان الله. فلنفترض بأن الدستور الأمريكي والذي قد تبناه الكونجرس فى 17 سبتمبر 1787 والمحفوظ فى البيت الابيض قد نُسِخَ مع الوقت إلى عدة نسخ ووضعت النسخة الأولى فى مكتبة الكونجرس والثانية فى مبنى المحكمة الدستوريا العليا والثالثة فى مبنى البنتاجون ومع مرور الوقت طُبعت او نُسخت، من هذه النسخ الثلاثة، عشرات النسخ الأخرى (طبعا بعض النسخ قد نجد فيها أخطاء نتيجة النسخ أو تغير فى حرف أو تكرار حرف...الخ). بعد فترة طويلة من الزمان سرقت او فقدت النسخة الأصلية من البيت الابيض، السؤال المهم هو: هل يمكن ان نصل إلى الكلمات الأصلية للدستور أم لا؟؟؟؟ الإجابة طبعاً هى نعم، فاذا جمعنا النسخ الموجودة من الدستور وقارنناها معا يمكن الوصول إلى النص الأصلى للدستور: والرسم التإلى يوضح لنا هذه الفكرة |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الفصل الخامس مخطوطات الكتاب المقدس من الاعتراضات التي يرددها الرافضون لعصمة الكتاب المقدس إعتراض مرتبط بالمخطوطات الأصلية. فهم يقولون بما أن العصمة مرتبطة بالمخطوطات الأصلية للكتاب المقدس وبما أن هذه المخطوطات غير موجودة فلا يوجد ما يضمن لنا أن النص الذى بين أيدينا هو نسخة طبق الأصل من المخطوطة الأصلية؟ طبعاً عدم وجود المخطوطات الأصلية ليس دليلاً على عدم عصمة الكتاب المقدس، لأن ما لدينا من مخطوطات، بل الآف المخطوطات، والترجمات الكثيرة جداً كافية بأن تقودنا إلى النص الأصلى لإعلان الله. فلنفترض بأن الدستور الأمريكي والذي قد تبناه الكونجرس فى 17 سبتمبر 1787 والمحفوظ فى البيت الابيض قد نُسِخَ مع الوقت إلى عدة نسخ ووضعت النسخة الأولى فى مكتبة الكونجرس والثانية فى مبنى المحكمة الدستوريا العليا والثالثة فى مبنى البنتاجون ومع مرور الوقت طُبعت او نُسخت، من هذه النسخ الثلاثة، عشرات النسخ الأخرى (طبعا بعض النسخ قد نجد فيها أخطاء نتيجة النسخ أو تغير فى حرف أو تكرار حرف...الخ). بعد فترة طويلة من الزمان سرقت او فقدت النسخة الأصلية من البيت الابيض، السؤال المهم هو: هل يمكن ان نصل إلى الكلمات الأصلية للدستور أم لا؟؟؟؟ الإجابة طبعاً هى نعم، فاذا جمعنا النسخ الموجودة من الدستور وقارنناها معا يمكن الوصول إلى النص الأصلى للدستور: والرسم التإلى يوضح لنا هذه الفكرة إن ما لدينا من مخطوطات لا يترك أدنى شك فى أن النص الذى بين أيدينا هو نسخة طبق الأصل من النص الأصلى وحتى الاختلافات التى نراها بين المخطوطات لا تؤثر على أى عقيدة من العقائد الكتابية. فهده الأختلافات هى أختلافات نتيجة النسخ وتشمل هذه الأخطاء ما يلى:
مخطوطات تعود إلى ما بعد المسيحية
40F. F. Bruce, "Transmission and Translation of the Bible," The Expositor's Bible Commentary. Ed., Frank E. Gaebelein (Grand Rapids: Zondervan, 1979), 1: 40
41F. F. Bruce, "Transmission and Translation of the Bible," 40. 42Gleason Archer, A Survey of Old Testament Introduction, (Chicago: Moody Press, 1994), 44. 43 لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى F. F. Bruce, Biblical Exegesis in Qumran Texts (Grand Rapids: Eerdmans, 1959), 7-17. 44Archer, A Survey of Old Testament Introduction, 45. 45Josh McDowell, The New Evidence that Demands a Verdict (Nashville: Thomas Nelson, ), 76. يصنف علماء اليهود العهد القديم إلى ثلاثة اقسام: 1) التوراة، 2) ألأنبياء وينقسم الأنبياء إلى قسمين: الأول يسمى الأنبياء المتقدمين ويشمل الاسفار من يشوع إلى الملوك الثانى، والثانى الأنبياء المتأخرين ويشمل الأنبياء الكبار والأنبياء الصغار. اما القسم الثالث والاخير فهو ما يسمى بالكتب. من الفترة بين 500 م إلى 700م ظهرj مجموعة من الكتبة المتخصصين فى النص العبري للعهد القديم كانت مسئوليتهم الأولى هى الحفاظ على النص الكتابى ونسخه. هؤلاء العلماء هم الذين أخترعوا الحروف المتحركة فى اللغة العبرية وعلامات النبرات على النسخ التى قاموا بنسخها وقد قاموا أيضاً بأختراع نظام التدوين. التدويين هذا سمى بأسم "مازورا." بعض العلماء يقولون أن كلمة مازورا تأتى من الاصل العبري אםר والذى يعنى "توثق" أو "تحزم" وبهذا تكون مهمة هؤلاء الكتبة هى الحفاظ على النص الكتابى. البعض الاخر يقول أن كلمة "مازورا" هى من الأصل מםר والذى يعنى أن تسلم شئ وبهذا يشير أسم مازورا إلى التقليد اليهودى الذى يسلمه جيل إلى جيل. فى كلتا الحالتين فأن العلماء اليهود كانوا حماة للنص الكتابى وعملوا على نسخه بكل أمانة ودقة متناهية جداً. فالكتبة الذين كانوا يكتبون الحروف الساكنة يطلق عليهم أسم "صفوريم" أى الذين يعدون الحروف، فقبل نسخ أى مخطوطة كان الكاتب يقوم بعد الحروف وعندما ينتهى من النسخ كان يعدد حروف النسخة التى قام بنسخها ثم يقارن النسختين ببعض فإذا وجد ان النسخة التى كتبها تنقص ولو حرف واحد كان يمزقها ويبدأ فى كتابة نسخة جديدة. أما الكتبة الذين كانوا يقومون بوضع العلامات المتحركة فكانوا يسمون "نقدانيم" ومعناها المنقطين اى الذين كانوا يضعون علامات التنقيط على الحروف. يوجد اليوم أكثر من 5700 مخطوطة يونانية للعهد الجديد تتراوح في الحجم بين أجزاء صغيرة تحتوي على عدد صغير من الآيات ومخطوطات كبيرة تحتوى على كل العهد الجديد. 170 منها أجزاء من البردى و 2754 مخطوطة مكتوبة بالحروف المشبكه minusculesة و 266 بالحروف المفردة الكبيرة uncials (πΑΥλοϩΑποϩτολοϩ). كما يوجد حوإلى 10000 مخطوطة لاتينية و 9300 مخطوطة قديمة باللغة السريانية والأثيوبية والقبطية والآرامية واللغات الأوربية القديمة. يعود عمر هذه المخطوطات إلى ما بين القرن الثاني الميلادي وحتى اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، لكن أغلبية هذه المخطوطات تعود إلى ما قبل القرن العاشر الميلادي. وإلى يومنا هذا يتم اكتشاف ما بين 2 إلى 3 مخطوطات كل يوم، يقول دانيال والاس أستاذ اللغه اليونانية والعهد الجديد بكلية لاهوت دالاس إنه في سنة 2008 تم اكتشاف 47 مخطوطة جديدة للعهد الجديد.48 أضف إلى هذا الكم الهائل من المخطوطات الاقتباسات الكثيرة جداً لأباء الكنيسة من العهد الجديد. فجاستين مارتر اقتبس 300 اقتباس من العهد الجديد، وايريناوس اقتبس أكثر من 1800 اقتباس، وكلمينت الإسكندرانى 2400، وترتليان 7000. أما فى القرن الثاني والثالث الميلادي فنجد أكثر من 45000 اقتباس من العهد الجديد فى كتابات الآباء منها 33000 في كتابات أوريجانوس فقط. هذه الاقتباسات كافية بأن يجمع ويكتب العهد الجديد كله منها حتى ولو ضاعت النسخ الأصلية. إن ما يميز مخطوطات العهد الجديد عن أى مخطوطات أخرى هو أمران: الأمر الأول هو أن الفترة الزمنية بين كتابة المخطوطة الأصلية وبين المخطوطات التى وصلتنا منها قصيرة جداً. والأمر الثانى هو غنى العهد الجديد من حيث عدد المخطوطات عند مقارنته بالكتابات الأخرى. الجدول التالي يوضح هذان الأمران.49
49The above chart was adapted from three sources: 1) Christian Apologetics, by Norman Geisler, 1976, p. 307; 2) the article "Archaeology and History attest to the Reliability of the Bible," by Richard M. Fales, Ph.D., in The Evidence Bible, Compiled by Ray Comfort, Bridge-Logos Publishers, Gainesville, FL, 2001, p. 163; and 3) A Ready Defense, by Josh Mcdowell, 1993, p. 45.
أسماء بعض المخطوطات الهامة:
|