"لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ"

الوحي وعصمة الكتاب المقدس

The Inspiration and the Inerrancy of the Scripture
الدكتور القس أشرف عزمي
جميع الحقوق محفوظة
2009
إهداء
إلى كنيستي الإنجيلية المصرية
التي زرعت فيىّ الحب والتقدير للكتاب المقدس الذي هو كلمة الله

محتويات الكتاب

تقديم
مقدمة الكتاب
الفصل الأول: الوحي
  1. ما هو الوحي؟
  2. مفاهيم خاطئة عن الوحي
  3. طبيعة الوحي الكتابى- الوحي اللفظي المطلق
الفصل الثاني: شهادة الكتاب المقدس عن نفسه
  1. شهادة العهد القديم
  2. شهادة الرب يسوع
  3. شهادة رسل المسيح

الفصل الثالث: عصمة الكتاب المقدس

  1. ما هي العصة
  2. اعتراضات على العصمة
  3. حقائق مرتبطة بعصمة الكتاب المقدس
  4. العصمة المحدودة والعصمة الكاملة
  5. أهمية عصمة الكتاب المقدس

الفصل الرابع: قانونية الأسفار المقدسة

الفصل الخامس: مخطوطات الكتاب المقدس

  1. مخطوطات العهد القديم
  2. مخطوطات العهد الجديد
  3. ترجمات الكتاب المقدس القديمة
  4. القراءة المختلفة فى المخطوطات

ملحق: الأناجيل الغنوسية

ملاحظات ختاميه

تقديم 

لقد سعدت أيَّما سعادة حين قرأت أصول هذا الكتاب الثمين قبل طبعه، وأعجبت به كل الإعجاب. ولذلك فإنه يشرفني أن أكتب تقديماً له.

هذا كتاب قيم ومهم وأهميته ترجع إلى عدة صفات اختص بها وهي:

موضوعه ومادته ومراجعه ومؤلفه وموعد صدوره.

أما موضوع الكتاب، فهو خطير وحيوي، فهو وحي وعصمة الكتاب المقدس وصدق كل ما جاء فيه، ولا شك أن صدق الكتاب المقدس هو أمر ضروري ليكون الكتاب - كما أراداه الله أن يكون- الأساس الراسخ الذي نأخذ منه ونبني عليه كل معتقداتنا المسيحية.

أما مادة الكتاب فهي غنية بدراسة علمية مستفيضة واستعراض لمختلف آراء اللاهوتيين المعارضيين والمؤيديين لصدق الكتاب المقدس بأمانة الباحث المدقق.

كما احتوى الكتاب على بحث وافٍ عن قانونية الأسفار المقدسة في العهدين، وأسفار الأبوكريفا والأناجيل الغنوسية المزيفة.

كما اشتمل الكتاب على دراسة وافية لأهم المخطوطات الأصلية القديمة لأسفار عهدي الكتاب المقدس.

أما مراجع الكتاب فهي تؤكد وتوثق ما جاء في الكتاب من معلومات قيمة.

وأما مؤلف الكتاب، الدكتور القس أشرف عزمي، فقد سعدت جداً بالتعرف عليه مؤخراً، لأني وجدت فيه التقوى والغيرة في خدمة الرب بأمانة وسعة الإطلاع وأحببت فيه شهادته الصريحة بإيمانه الصحيح.

والمؤلف باحث أكاديمي حائز على درجة الدكتوراة ويتقِّن المنهج العلمي في البحث، وهو بهذا الكتاب وبإعلانه عن إيمانه بصدق وحي الكتاب المقدس يدحص إدعاء المشككين بأن المؤمنين بصدق الكتاب هم غير الأكاديميين الذين غيّبوا عقولهم.

أما عن موعد صدور الكتاب، فهو يصدر في وقت نحن في أشد الحاجة إليه، لأن رياح الليبرالية والتحرر من سلطان كلمة الله باتت تهب في هذه الأيام على كنيستنا المصرية الإنجيلية الحبيبة، آتية إلينا من حطام حركة النقد الأعلى للكتاب المقدس التي بدأت في الغرب وتحطمت هناك على صخرة الكتاب المقدس.

إني أصلي أن يبارك الرب ابنه العزيز الدكتور القس أشرف عزمي، وأتمنى أن يقتني ويدرس هذا الكتاب كل دراسي اللاهوت وكل مدرسي اللاهوت وكل خادم في الملكوت.

الدكتور مفيد إبراهيم سعيد
مقدمة 

من بين كل العقائد المسيحية لا توجد عقيدة أهم من عقيدة الكتاب المقدس وذلك لأن الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد للمعرفة الحقيقة عن الله، ففيه أعلن الله لنا عن نفسه وعن عمله ومقاصده ومنه نعرف عن يسوع المسيح، الكلمة الذى صار جسداً وحل بيننا، نعرف عن لاهوته وناسوته، نعرف لماذا تجسد وكيف مات وصلب من أجل خطايانا. كما نعرف عن مجيئه الثانى وإنتهاء الزمان. فبدون الكتاب المقدس لا يمكن للإنسان أن يعرف شيئاً عن طبيعة الله ومحبته ومقاصده، فكل العقائد المسيحية مستقاة منه فهو المصدر الوحيد للإيمان والأعمال ولهذا يقول اللاهوتي أدوارد ج يونج إنه من الضروري أن نرتفع بمفهوم العقيدة الخاصة بالوحي الإلهي إلى القمة والذروة والسبب المهم وراء ذلك بحسب إدوارد يونج هو "لأنه إذا لم يكن الكتاب المقدس كتاباً معصوما، فلن يبقى أمامنا شئ على الاطلاق يمكن أن يكون موضوع يقين أو تأكيد، وستذهب سائر العقائد الأخرى واحدة وراء الأخرى في مهب الريح. إن المسيحية كلها تدور وجوداً أوعدماً حول الإيمان بعصمة "الكتاب المقدس."1 فكل الإيمان المسيحي مبني أولاً وأخيراً على ما يقوله الكتاب المقدس، فهو المصدر الأساسى للمعرفة عن الله.

لكن السؤال الذى نطرحه هنا هو هل يمكننا ان نثق فى الكتاب المقدس؟ وهل كل ما يقوله الكتاب المقدس صحيح وحق؟ يقدم هاورد لندسيل ثلاثة احتمالات للاجابة على هذا السؤال:

الاحتمال الأول: هو أن يكون الكتاب المقدس ليس موضع ثقه، وفي هذه الحالة يكون الإيمان المسيحي كله مبنياً على أساس كاذب، كالبيت المبنى على الرمل الذي يكون سقوطه عظيماً. هذا الاحتمال ضعيف جداً لأن الكتاب المقدس أثبت بجدارة أنه كلمة الله النقية التي لم يستطع منكرو وحيها وعصمتها من إضعاف قوتها وثباتها وتاثيرها، فهى "كسيف ذى حدين" و"كالمطرقة التى تحطم الصخر" والتى قال عنها الرب يسوع " إلى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (متى 5: 18).


1Edward J. Young, Thy Word is Truth (Grand Rapids: Eerdmans, 1957), 20.

الاحتمال الثاني: هو أن تكون الإجابة بالإيجاب أى أن الكتاب المقدس صادق فى كل ما يقول، وبهذا يكون الكتاب المقدس خالياً من أي كذب ومن أى خطأ، أنه موضع ثقه يمكن لنا أن نعتمد عليه ككتاب حق.

الاحتمال الثالث والأخير: هو كما يقول البعض أن الكتاب صادق في أجزاء وخطأ في أجزاء أخرى، أو كما يقول البعض إن الكتاب المقدس معصوم فيما هو ضرورى للإيمان والأعمال أما فيما يتعلق بالتاريخ والخلق والعلم والأنساب... فهو غير معصوم بل يشتمل على أخطاء كثيرة.2 يُعتبر الاتجاه الأخير، من وجهة نظري، هو الأخطر لأنه ليس ابيضاً ولا اسوداً بل لون رمادياً خادعاً يكتسي بلون الحداثة والمعاصرة ولكنه سرعان ما يجر وراءه دماراً لإيمان وعقيدة الكنيسة. إنه يقول إن الكتاب المقدس هو كلمة الله ولكن المعصوم فيها هو فقط ما يتعلق بالايمان والإعمال ولأن الله استخدم بشراً في كتابة الأسفار المقدسه فالبشر بطبيعتهم خطاؤون لكن خطأهم لم يؤثر على الإيمان وخطة الله لفداء الإنسان.

إن القضية الأساسية التى تعتبر تحدياً كبيراً لكنيسة القرن الواحد والعشرين هي قضية الكتاب المقدس. لقد مرت الكنيسة على مر العصور بتحديات كثيرة لكنها خرجت فى كل مره منتصرة. ففى القرون الثلاثة الأولى واجهت الكنيسة الأفكار الخاطئة عن طبيعة شخص المسيح لكنها خرجت مستندة على الكتاب المقدس كأساس للإيمان المسيحي موضحة أن يسوع هو الله الذى ظهر في الجسد وأن أى إيمان مخالف لذلك هو مخالف لإعلان الله فى الكلمة المكتوبة (الكتاب المقدس) والكلمة المتجسد (الرب يسوع المسيح). كما واجهت فى القرون المظلمة تحديات بخصوص مفهوم الكفارة لكنها دافعت بجدارة عن المفهوم الكتابى الخلاصى عن عقيدة الكفارة. كما واجهت الكنيسة فى عصر الاصلاح تحديات عقائدية كثيرة مثل سلطان الكتاب المقدس و التبرير بالايمان وحده... وقدم المصلحون مثل مارتن لوثر وجون كالفن التعاليم الكتابية الصحيحة لهذه العقائد وهى:

  1. سولا سكربتورا - بالكتاب المقدس وحده.
  2. سولا فيدى - بالإيمان وحده.
  3. سولا جراتيا - بالنعمه وحدها.
  4. سولا كريستوس - بالمسيح وحده.
  5. سولا جلوريا - لمجد الله وحده.

هذه العقائد الخمس التى نادى بها المصلحون غيّرت مجرى تاريخ الكنيسة ونقلتها من عصر تحكم البابوات والظلام إلى عصر النهضة وإعلاء الحق الإلهي كما هو معلن فى كلمة الله.


2Harold Lindsell, The Battle for the Bible, (Grand Rapids: Zondervan, 1976), 18.

التحدي الكبير الذي يقابل الكنيسة اليوم هو موضوع الكتاب المقدس. هذا التحدي الذي كان يواجه الكنيسة الغربية منذ العشرينيات والثلاثينيات بدأ يتاثر به البعض من قادة الكنيسة في مصر في شكل الحداثة والمعاصرة الفكرية. إن أخطر ما في هذا الفكر الحديث هو أنه يرتكز على أساس نكران الوحي ورفض كل ما يتعلق بالأمور فوق الطبيعية أو الخارقة للطبيعة والتي تسمو فوق العقل. إنه فكر يُبنى على أساس فلسفي معادٍ في حقيقة الأمر لما هو إلهي وللإعلان المسيحي، ولا مكان عنده لله. هذا الأساس هو وراء نكران المعجزات وتفسيرها على أنها أحداث طبيعية. فيقولون مثلاً: لا يوجد شئ اسمه شياطين وأرواح شريرة والرب يسوع لم يخرج شياطين لكن كل الحالات التى يسميها الكتاب إخراج شياطين هى أساساً وبحسب العلم الحديث أمراض نفسية، الرب يسوع كان يعلم أنها أمراض نفسية ولأنه كان يساير الناس في معتقداتهم أطلق عليها كباقى الناس "إخراج شياطين." طبعاً إذا قلت هذا الكلام لابني الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره لأجابنى بالقول إن هذا الفكر يجعل من يسوع شخصاً مرائياً وغير صادق بل وكذاباً ليس فقط لأنه لم يصحح مفاهيم الناس الخطأ، بل الأكثر من ذلك أنه سايرهم على معتقداتهم الخاطئة.

مثال آخر هو معجزة إشباع الجموع (يوحنا 6: 1-14) يقول البعض أنه من غير الطبيعى أن الخمسة أرغفة والسمكتين تشبع خمسة اّلاف رجل (أضف إلى ذلك النساء والأطفال) فالمعجزة هنا ليست أن يسوع بارك القليل وجعله يكفي هذا الجمع الغفير بل المعجزة كانت في الغلام الذي استطاع أن يقدم ما عنده وعندما قدم ما يمتلك زال خجل الجموع فأخرجوا كل ما كان معهم من طعام، فأكلوا وفضل عنهم إثنتا عشرة قفة من الكسر. إن نكران الوحي وعصمة الكتاب المقدس لا يقود فقط لنكران معجزات السيد المسيح بل أيضاً نكران تدخل الله في التاريخ وأحداث الخروج وعبور شعب الرب لبحر سوف. إنها أيضاً الأساس لنكران التجسد والميلاد العذراوي وقيامة المسيح من بين الأموات وحقيقة المجئ الثاني. نعم لقد صدق يونج عندما قال "إن المسيحية كلها تدور وجوداً وعدماً حول الإيمان بعصمة "الكتاب المقدس."3

ليس الغرض من هذا الكتاب هو الدفاع عن الكتاب المقدس، فالكتاب المقدس سيظل ثابتاً ولن يزول منه "حرف واحد أو نقطة واحدة..." ولكن الغرض الأساسي هوتقديم شرح لعقيدة الوحي وعصمة الكتاب المقدس وكذلك الأخطار التي يمكن أن تحدث للكنيسة إذا لم تتمسك بهذا الحق الإلهي. فإن كانت الطريقة الصحيحة لمعرفة العملة المزيفة يكون بدراسة العملة الصحيحة دراسة متأنية ودقيقة، فكم نحتاج كمؤمنين أن نعرف ما تعلمة كلمة الرب حتى نستطيع أن نميز الأمور المتخالفة. الجهل بالمكتوب يقود للهلاك "هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ"، ولهذا أصلي أن يكون هذا الكتاب تعليمياً الهدف منه أن نعرف وهذه المعرفة تكون لتثبيت الإيمان.


3Young, Thy Word is Truth, 20.
الفصل الأول

الوحي 

إن إيمان الكنيسة على مر العصور هو أن الكتاب المقدس ليس إلا كلمة الله التى أوحي بها من خلال الأنبياء والرسل. وسلطان الكتاب نابع من كونه معلن من الله وموحي به من الروح القدس، فكلمة إعلان تشير إلى التواصل بهدف إعلان الحق، فقد أعلن الله لنا عن ذاته، وبدون هذا الإعلان ما عرف الإنسان شيئاً عن الله وذلك لأن الله لا يمكن أن يُعرف بالعقل أو بالمجهود البشري". هذا الإعلان يقسمه اللاهوتيون إلى نوعيين: إعلان عام وإعلان خاص. الإعلان العام هو إعلان الله عن نفسه من خلال الطبيعة (مزمور19: 1-2، روميه 1: 19-20) ومن خلال الضميرالإنساني (رومية 2: 14-15، اعمال 23: 1، 24: 16) ومن خلال التاريخ (أعمال 17: 26-27). فالكتاب المقدس يقول في مزمور 19: 1-2 " اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.."، كذلك رسالة رومية 1: 19-20 " إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (1: 19-20). هذه الاّيات وغيرها تؤكد ان الله قد اعلن عن نفسه للإنسان وهذا الأعلان هو إعلان عام يمكن لأى شخص أن يلاحظه ويدركه لكن الخطية جعلت الإنسان غير قادر على أن يتواصل مع الله من خلال الإعلان العام وبدل أن يدرك الإنسان الله الذي تعلنه الطبيعة ذهب وعبد الأوثان "وَأَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَفْنَى وَالطُّيُورِ وَالدَّوَابِّ وَالزَّحَّافَاتِ" (رومية 1: 23). فإلاعلان العام إذاً غير قادر أن يقود الإنسان الخاطئ إلى المعرفة الحقيقة لله. كما أن الإعلان العام غير كافٍ لخلاصنا ولمعرفة خطة الله للخلاص بالمسيح يسوع. إنه إعلان عن قدرة الله السرمدية وعن حكمته. والنوع الثاني من الإعلان هو ما يطلق عليه "الإعلان الخاص" وهو إعلان الله عن نفسه للإنسان عن طريق التواصل المباشر بينه وبين البشر. فالله قد أعلن عن نفسه عن طريق المعجزات والعجائب (مثال لذلك الطوفان في تكوين 6-9 ودمار سدوم وعموره في تكوين 19 وأحداث الخروج) وعن طريق الظهورات الإلهية (لإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى ويشوع وجدعون...الخ) وعن طريق الأحلام والرؤى (ليعقوب ويوسف وسليمان ودانيال ويوسف النجار...الخ) وعن طريق الكلام المباشر مع أنبيائه (تثنية 18: 22) وأخيراً في شخص الرب يسوع المسيح. إذ يقول كاتب العبرانيين "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَبِالأنبياء قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ" (1:1-2).

وهذا الإعلان الخاص مهم جداً لأن الله تجاوز فيه الحقائق الأساسية عن وجوده وقوته إلى الإعلان عن مقاصده ومشيئته وطبيعيته ومحبته. كما أنه بدون الكتاب المقدس تصبح كل هذه الاعلانات الخاصة بلا فائدة لأن الطريقة الوحيدة لمعرفتها هى من خلال تسجيلها في الأسفار المقدسة. إن عملية تسجيل هذا الإعلان الإلهي تسمى "بالوحي". لكن ما هو الوحي؟؟ للإجابة على هذا السؤال أقدم عدة تعاريف من ستة مراجع للاهوتين إنجيليين:

يقول اريكسون ميلر إن الوحي الإلهي هو "التأثير فوق الطبيعي للروح القدس على كُتَّاب الاسفار المقدسة والذي يجعل كتاباتهم هي التسجيل الحقيقى والصحيح لإعلان الله حتى أن ما كتبوه هو كلمة الله"4 ، أما بيتر إنس فيقول أن الوحي هو "سيادة وسيطرة روح الله على كُّتّاب الاسفار المقدسة حتى يصبح ما يكتبون بأسلوبهم الخاص وشخصياتهم المختلفة هو كلمة الله التى لها كل السلطان والمصداقية والتي هى خالية من أي خطأ فى المخطوطات الأصلية."5 ، بنجامين ورفيلد يقول أن الوحي هو "التاثير فوق الطبيعى على كُتَّاب

الاّسفار المقدسة من الروح القدس ليكون ما يكتبون له المصداقية الإلهية."6 ، بالنسبة إلى إدوارد يونج فالوحي هو "سيادة الروح القدس على كُتَّاب الاسفار المقدسة ونتيجة لهذا تتصف الأسفارالمقدسة بالسلطان الالهي والمصداقية ولأنها تحمل السلطان الالهي والمصداقية فهى خالية من أى خطأ."7 ، أما تشارلز ريرى فيُعرف الوحي على أنه "سيادة الله على الكُتَّاب البشريين مستخدماً شخصياتهم ليكتبوا ويسجلوا إعلانه للناس بكلمات خالية من أى خطأ في المخطوطات الاصلية."8 أخيراً يقول وين جرودم في كتابه "اللاهوت النظامي" إن الوحي هو "سيادة الله وتحكمه في الكاتب البشري (مستخدماً شخصيته وأسلوبه في الكتابة) حتى يكتب بدون أى خطأ إعلانه للإنسان وبذلك تكون كل كلمة يكتبها الكاتب البشري هي بالضبط كلمة الله التى سجلت في المخطوطات الاصلية."9 هذه التعريفات الستة تشتمل على خمس حقائق مهمة جداً عن الوحي:

4Millard Erickson, Christian Theology, (Grand Rapids: Baker, 1983), 225.
5Peter Inns, The Moody Handbook of Theology, (Chicago: Moody Press, 1989), 160.
  1. الجانب الالهي "سيادة وتحكم كاملين"
  2. الجانب البشري (الكاتب الذي يكتب بأسلوبه وشخصيته)
  3. ناتج تفاعل الجانب الالهي مع الجانب البشري هو نص خالٍ من أى أخطاء
  4. الوحي يشمل الكلمات (وحي لفظي)
  5. الوحي ينطبق فقط على المخطوطات الاصلية

هذه الحائق تؤكدها كلمة الرب حيث يقول الرسول بولس فى رسالته الثانية لتيموثاوس 3: 16 "كُلُّ الْكتاب هُوَ مُوحي بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ" كذلك الرسول بطرس فى رسالتة الثانية 1: 21 حيث يقول " لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." إن الكتاب المقدس يؤكد أنه كلمة الله، وهى لكونها منه، وترجع اليه فى أصلها، فهى معصومة وخالية من الخطأ من كل وجه.

6Benjamin Warfield, The Inspiration and Authority of the Bible, (Philadelphia: Presybaterian and Reform Press, 1948), 131. 7Edward Young, Thy Word is Truth, 27 8Charles Ryrie, Sintesis De Doctrina Biblical: Survey of Bible Doctrine. (Grand Rapids: Kregel, 1995), 9Wayne Grudem, Systematic Theology: An Introduction to Biblical Doctrine, (Grand Rapids: Zondervan, 1994). 74.

مفاهيم خاطئة عن الوحي

عندما نتحدث عن الوحي لابد ان نتجنب أولاً بعض المفاهيم الخاطئة عن الوحي قبل أن نتحدث عن المفهوم الكتابي الصحيح للوحي.

أولاً: الوحي الطبيعي

يقول أصحاب هذا الفكر إنه لا يوجد شى خارق أو فوق الطبيعي بالنسبة للوحي. فكتاب الأسفار الكتابية كانوا بالطبيعية موهوبون في الكتابة وقد استخدموا هذه الموهبة في كتابة أمور متعلقة بالدين، مثلهم مثل الكاتب الانجليزي الشهير شكسبير أو فولتير الفرنسى وفي مجتمعنا العربي الكاتب المصري نجيب محفوظ أو نزار قباني الشاعر. إن كتَّاب الأسفار الكتابية لا يختلفون عن أى كاتب موهوب في الكتابة سواء كانوا شعراء أو كتَّاب قصه سواء كانت قصة حقيقية أم خيالية. فهم يعترفون بأنهم أمام أعمال بشرية غاية في العبقرية وقمة في الإبداع، لكننا لا نستطيع أن نقول إن هؤلاء الكتَّاب تلقوا ما كتبوه من الله كما أننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن نقول أنهم كتبوا ما كتبوا وهم محمولون بالروح القدس، كما أننا لا يمكن أن ننسب إلى الله أي خرافات أو تعاليم خاطئة تحتويها هذه الأعمال الأدبية. إنه من المؤسف أن نرى أن أصحاب هذه المدرسة يعاملون الكتاب المقدس على أنه كتاب كأى كتاب أدبى أخر مع أنهم يعترفون بأن كتَّاب الأسفار الكتابية كتبوا أموراً عظيمة إلا أن ما كتبوه لا يعدو أن يكون كأى كتاب أدبى ولهذا يمكن أن يتضمن أموراً غير صحيحة وخاطئة، وكما أن شكسبير ونجيب محفوظ وغيرهما عرضة للخطأ كذلك كتَّاب الاسفار المقدسة هم أيضاً عرضة للخطأ. إن صحت هذه المزاعم يكون رجال الله رجالاً مخادعين لأنهم لم ينسبوا الكلمة التى نادوا بها وكتبوها إلى انفسهم بل نسبوها إلى الإعلان المباشر من الله. بل الأكثر من ذلك كله يكون الكتاب المقدس فيما يدَّعيه عن نفسه بأن مصدره هو الله وأنه قد جاء إلينا عن طريق الإعلان الإلهي وأن ظهوره بين الناس ينسب إلى عناية متميزة خاصة من عند الله هو مجرد إدعاء كاذب يخلو من الصحة10 . طبعاً هذه المدرسة تجهل تأكيد الكتاب المقدس من أن مصدره هو الله، كما يؤكد أنه جاء من الله بصورة متميزة وخارقة. فشكسبير وغيره من الكتاب الموهوبين العباقرة لم يدّعوا أن ما كتبوه نص مقدس وأنه كلمة الله وأن الرسالة التى يحملونها هي رسالة الرب وكلمات الرب لشعبه. أما ألكتاب المقدس فيشهد عن نفسه أن مصدره الأساسى هو الله نفسه. يقول الرسول بولس " كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحي بِهِ مِنَ اللهِ..." (2 تيموثاوس 3:16) كذلك يشهد الرسول بطرس عن أن الله هو مصدر الكتاب المقدس فيقول: "عَالِمِينَ هذَا أولاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بطرس 1: 20-21).

ثانياً: وحي المفهوم 

يقول أصحاب هذه المدرسة أن الله أوحى فقط بالفكرة أو المفهوم للكاتب البشري وترك له أن يكتبها بأسلوبه وبحرية مطلقة دون تدخل من الله فيما يكتبه. فالوحي لا يشمل اختيار الكلمات التي اختارها الكاتب للتعبير عن الفكرة التي أعلنها الله للكاتب ولهذا فالخطأ وارد في كلمات الكاتب البشري لأنها كلمات بشر بحسب فكر بشري. المهم هو الفكرة نفسها لا الكلمات فطالما أن الفكرة صحيحة لا يهم إن كانت الكلمات التى استخدمت لتوصيلها صحيحة أم خاطئة، بمعنى آخر أن "الغاية تبرر الوسيلة." للرد على هذه المدرسة نقول الآتي:

  1. إن نظرة الرب يسوع وكذلك تلاميذه الرسل عن الوحي هو أن الوحي لا يشمل فقط الأفكار بل الكلمات أيضاً. فالرب يسوع يقول: "فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إلى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (متى 5: 18). كذلك يقول الرسول بولس "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ" (1تسالونيكي 2: 13). نلاحظ هنا أن الرب يسوع تحدث لا عن الفكرة بل عن الحرف، هذا الحرف لا يزول حتى يكون الكل. كما أن الرسول بولس يمتدح أهل تسالونيكى لأنهم قبلوا رسالة الخلاص فيقول عنها إنها "كلمة خبر...لا ككلمة أناس، بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله" لم يصف الرسول بولس رسالة الإنجيل على أنها فكرة بل هي كلمة، كلمة الله.
  2. إن الأفكار تنتقل من خلال كلمات، وكلما كانت الكلمات واضحة ومحدده كان توصيل الفكرة أوضح. فإذا أردتُ أن أوصل لك مثلاً: حقيقة اهتمام الله بحياتك، فالكلمات مهمة جداً فمثلاً سأقول الرب هو الراعي الصالح الذي لا يمكن أن يترك قطيعه... لا يمكن أن نوصل فكرة أو مفهوم ما بدون كلمات. فالله عندما أراد أن يوصل لنا اهتمامه بحياتنا واحتياجاتنا قال "إنْظُرُوا إلى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إلى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟" وعندما أراد أن يؤكد حقيقة أنه هو الكل قال " لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأول وَالآخِرُ..." كل فكرة إن لم نضعها في إطارها اللغوي الصحيح فإنها تفقد معناها وتصبح بلا قيمة. ولهذا نقول أن الله لم يوحٍ للكاتب البشري بالفكرة وتركه يكتبها بكلمات، بل الله وصل الفكرة في إطار كلمات وقاد النبي أن يكتب بأسلوبه، لكن تحت إرشاد وسيادة الروح القدس ليكون ما يكتبه هو بالضبط ما أراد الله أن يوصله لنا.

10Young, Thy Word is Truth, 93.

ثالثاً: الوحي الإملائي 

هذه المدرسة تجعل دور الكاتب البشري دور ميكانيكى دون تدخل لترك بصماته المميزة له في الكتابة. فالله يملى على الكاتب والكاتب فقط يسجل ما يسمعه. مع العلم أن هذا الاسلوب نجده في بعض نصوص الكتاب المقدس، فمثلاً نقرأ في سفر الخروج " ثُمَّ تَكَلَّمَ اللهُ بِجَمِيعِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَائِلاً: 2«أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. 3لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي..." (خروج 20: 1). وكذلك سفر اللاويين وأجزاء أخرى من الكتاب المقدس. لكن السمة السائدة التي نراها في الكتاب المقدس أن الله استخدم اناساً مختلفين في أسلوبهم ومكانتهم وخدمتهم وزمانهم. إن القول بأن الكتاب المقدس وصل إلينا عن طريق الوحي الإملائي قول مغلوط للأسباب الآتية:

  1. إنه يتجاهل إعداد الله لرجاله القديسين الذين استخدمهم في كتابة الكتاب المقدس، فكل واحد منهم أعده الله بطريقة مختلفة عن الآخر. فموسى مثلاً أعده الله بأنه هذبه "بكل حكمة المصريين" لقد تربى وتعلم في قصور مصر القديمة العظيمة. تعلم كما يتعلم الأمراء، لقد تعلم الكتابة والأدب والهندسة والطب...، كما أن الله أعد داود من خلال مدرسة الرعاية والاهتمام بالغنم فكان داود شاعراً وملحناً ومرنماً. و لوقا أعده الله بأن صار طبيباً مدققاً وباحثاً ماهراً، كذلك بولس الرسول الذى تعلم التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية أعده ليكون واحداً من معلمي اليهود...وغيرهم فكل كاتب له قصة مختلفة عن الأخر لكن الشئ المشترك بينهم هو أنهم لم يكتبوا من عندياتهم بل كانوا أدوات بين يدي الرب ليسجلوا إعلاناته. يقول يونج "لقد درب الله بولس بإعداد متلاحق وطويل ليؤدي الرسالة السامية التي أتيح له أن يؤديها فيما بعد، كان من المهم أن يولد ويترعرع فى مدينة طرسوس، وأن يتربى عند رجليّ غمالائيل وأن يتعلم صناعة الخيام، وأن يكون فريسياً، وأن تكون هذه جميعها الخلفية التى كمنت وراءه طوال حياته على الأرض،... ولم تكن أقل من ذلك قدرته على استخدام اللغة اليونانية كلاماً ووعظاً، والسنوات الثلاث التى قضاها فى العربية للدراسة والتامل!!" .11
  2. إنه يتجاهل أن كل كاتب يختلف في الأسلوب عن الاّخر، فمنهم من كتب بأسلوب شعري ومنهم من كتب وسجل تاريخأً ومنهم من كتب بأسلوب رؤوي.
  3. إنه يتجاهل أن بعض الكتَّاب كتبوا ما توصلت إليه أبحاثهم. فتواريخ الأحداث وكذلك الأنساب كلها وثائق ملكية يرجع إليها الكاتب في بحثه (1أخبار 4: 22).

رابعاً: الأرثوذكسية الحديثة 

يعتبر اللاهوتي السويسرى كارل بارت أبو الأرثوذكسيه الحديثة، فقد رفض بارت التعاليم المتحررة التي تلقاها أثناء دراسته اللاهوتية من لاهوتيين متحررين فى ألمانيا، لكنه فى نفس الوقت لم يعد بالكامل إلى اللاهوت المصلح بل انحرف عنه ورفض التقليد المسيحي الذي يعتبر الكتاب المقدس كلمة الله الحقيقية ولهذا اُطلقَ على لاهوته الأرثوذكسية الحديثة لأنه لم يعد إلى الأرثوذكسية أو الاستقامة فى التعليم كما سار من قبله المصلحون. أخطر ما في لاهوت كارل بارت هو ما يتعلق بالكتاب المقدس. فبالنسبه لبارت هناك فرق بين الكلمة المكتوبة وكلمة الله. فالكتاب المقدس بالنسبة له ليس كلمة الله لكنه شاهد لكلمة الله. فالكلمات المكتوبة فى ورق ليست كلمة الله بل الرسالة التى يمكن أن نأخذها من المكتوب هى كلمة الله. يقول كارل بارت "إذا كان الله لم يأنف من التكلم من خلال الكتب المقدسة بما فيها من كلمات بشرية غير معصومة، أو هنات تاريخية وعلمية أو تناقضات لاهوتية، مع عدم التأكد من تحويلها، وبالأكثر بالطابع اليهودى فيها، ولكنه بالأحرى قَبِلها بكل ما تردت فيه من غير عصمة، اذ جعلها لخدمته، فاننا لا يجمل بنا أن نأنف منها أو من شهادتها."12 ، هذه التفرقة بين الكتاب المقدس وكلمة الله لا نجدها مطلقاً على صفحات الكتاب المقدس نفسه، فكل الأنبياء والرب يسوع نفسه وكل اليهود والمؤمنين المسيحيين على مر العصور آمنوا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله بعينها. يقول يونج "إذا لم تكن كلمة الله هى كلمات الكتاب المقدس أو مساوية لها فمن هو الذي يحدد كلمة الله؟" بالطبع الإنسان هو الذى يحكم على كلمة الله وبهذا يكون كل الأمر شخصياً ويختلف من شخص إلى آخر فما تراه أنت كلمة الله آراه أنا أو غيرى أنه ليس كلمة الله، وهذه هى الطامة الكبرى، إذ يضيع الحق المطلق ويصبح كل شئ نسبياً. تخيل معي عزيزى القارئ أنك وأنت وأنا نقرأ سوياً من سفر الخروج 20: 3-4 "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ" فتأخذ أنت هذه الكلمات المكتوبة على أنها كلمة الرب أما أنا فأرى أنها ليست كلمة الرب. إن فكر كارل بارت عن كلمة الله يجعل الإنسان هو الحَكَم وصاحب الكلمة الأخيرة فيما إذا كان ما يقرؤه فى الكلمة المكتوبة هو كلمة الله أم لا؟، وكيف لإنسان شوهت الخطية فكره ومشاعره وإرادته أن يصبح الحَكَم؟

والتطور الطبيعى لفكر كارل بارت نراه اليوم فى مجموعة تضم لاهوتيين وشخصيات بارزة تكونت سنة 1985 فى معهد ويستر بولاية اريجون الامريكية (150 شخصية) تسمى "ندوة يسوع"13 تجتمع عدة مرات كل سنة لكى تحدد ما إذا كان يسوع حقاً قد قال هذا القول أو ذاك من الأقوال التي تنسب له فى الأناجيل الأربعة بهدف الوصول إلى يسوع التاريخ وليس مسيح الإيمان.14 وبعد نقاش وحوار يتم التصويت على قول المسيح، على مثال هم يدرسون قول السيد المسيح "أنا هو الراعى الصالح..." (يوحنا 10: 11) هل قالها المسيح أم لم يقلها؟ وبحسب التصويت تكون النتيجة، وقد اختاروا ألواناً أربعة لتشير إلى ما وصلوا اليه من نتائج: اللون الأحمر يعنى أن يسوع قالها ولا يوجد شك فى ذلك، اللون الزهرى يعنى أن يسوع ممكن أن يصدر عنه هذا القول لكن دون تأكيد، أما اللون الرمادي فيشير إلى أن يسوع لم يقل هذه الكلمات لكن ممكن أنها تكون فكرته، أما اللون الأخير وهو الأسود فيعنى أن يسوع لم يقل هذه الكلمات على الإطلاق. تخيلوا معى جماعة تأتى بعد المسيح وتلاميذه بألفي عام، لم يكونوا شهود عيان ولم يكونوا من تلاميذ المسيح الذين عاشوا معه وسمعوا تعاليمه وأقواله تأتى لكى تحكم حكما شخصياً عما إذا كان الرب يسوع قد قال هذا القول أو لم يقله، مع العلم أن الكتاب المقدس يقول أن يسوع قد قالها وعلّمها. بأى سلطان يفعلون هذا؟ وعلى أى اساس يفعلونه؟ إنه الإنسان الخاطئ الذى يرفض كل ما يتعلق بالرب وينصب نفسه الهاً يحكم حتى على أمور الله وكلمة الله.


11Ibid., 80.
12Carl Bart, Church Dogmatic, Vol. 1:2, Quoted by Edward Young, Thy Word is Truth, 255.

13Jesus Seminars.
14أول من استخدم تعبير "يسوع التاريخ" Jesus of Historyو "مسيح ألإيمان" Christ of Faithكان مارتن كهلير (1835-1912). هذا التميز بين يسوع والمسيح كان الهدف منه هو فصل يسوع عن المسيح الذى نراه فى الاناجيل الاربعة. فنتيجة لرفض سلطان الكتاب المقدس قال اللاهوتيون المتحررون أن صورة يسوع المرسومة فى الاناجيل ليست صورة يسوع الحقيقية. فاالأناجيل كتبها تلاميذ المسيح وقدموا فيها يسوع الذى أمنوا به وليس يسوع الذى عاش فى الناصرة. فى نظرهم فإن أفضل طريقة لمعرفة يسوع التاريخ أو يسوع كما عاش وليس كما أمن به التلاميذ هو البحث عن يسوع فى التاريخ وليس فى الاناجيل. المحرك الاساسى وراء هذا طبعاً هو الرفض الكامل لسلطان الكتاب المقدس وبالاخص للاناجيل الاربعة. وعندما يرفض الإنسان سلطان الكلمة ينصب نفسه إلهاً ويحكم على الامور الكتابية من منظور شخصى بحت.

طبيعية الوحي الكتابى- الوحي اللفظى المطلق 

إن الوحي الإلهي يمتد ليشمل كل الكتاب المقدس، "فكل الكتاب هو موحي به من الله..." (2تيمو 3: 16)، "كل الكتاب" تشير إلى كل أسفار الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا.

إن الكتاب المقدس كله هو نفخة الله، أنفاس الله، إن الكلمة اليونانية المترجمة "موحي به" هى θεόπνευστος (ثيوبنيوستوس) وهى كلمة مركبة من (ثيو) وتعنى الله (بنيوستوس) وتعنى أنفاس، وبهذا يكون معنى "موحي" هو "أنفاس أو نفخة الله." قام اللاهوتي بنجامين ورفيلد الأستاذ بجامعة برنستون بدراسة هذه الكلمة الأصلية فى الكتابات اليونانية القديمة واكتشف أنها كانت تستخدم دائماً كمفعول به15 ، فالكتاب المقدس هو أنفاس ونفخة الله وليس كاّدم الذى نفخ فيه الله فصار نفساً حية، فالكتاب المقدس هو أنفاس الله نفسه التى سجلت وكتبت. إن الرسول بولس فى هذه الآية لا يتحدث عن كيف وصلت إلينا كلمة الله بل يركز على حقيقة مهمة جداً وهى أن مصدر الكتاب المقدس هو الله نفسه، فالتركيز على من أين أتى الكتاب المقدس؟. بحسب تيموثاوس الثانية 3: 16 فإن الوحي يشمل كل الكتاب المقدس وبهذا يكون كل الكتاب معصوماً من أى خطأ، فالله يكف عن أن يكون إلهاً حقيقياً لو صدرمنه خطأ أو تناقض حتى ولو كان هذا الخطأ صغيراً. إن الوحي لا يشمل الكل فقط بل يشمل أيضا اللفظ، إنه وحي لفظى.

17فالله قد تكلم فى كلمات. يقول يونج "إنه من المستحيل عندنا فصل أفكار الكتاب عن كلماته، فالأفكار هى الأفكار التى نفخ بها الله والتى ينبغى أن تنال طاعة النفس الكاملة."16 ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: بأية صورة أعلن الله أفكاره لنا؟ هل أعلنها فى صورة أفكار مبهمة خالية من الكلمات أم أن الله أعلن أفكاره فى كلمات، فإذا كان البشر قد ألفوا أن يكشفوا عن أفكارهم بالكلام، فلهذا السبب قد تكلم الله إلينا. يقول يونج مدافعاً عن عقيدة الوحي اللفظى "إنه يكفينا القول حالياً إنها تعاليم الكتاب المقدس، سواء رضى بذلك الرجل العصري أم لم يرض، بل هى أكثر من ذلك: إنها عقيدة السيد المسيح مهما كانت كراهية العصريين لمثل هذا الفكر أو المعتقد،... إن الكتاب المقدس لا يعرف فى الواقع سوى عقيدة واحدة عن الوحي، مهما كان عداء الرجل العصري لها، ألا وهى عقيدة الوحي المطلق اللفظى"

وعلى الرغم من ذلك يجد البعض صعوبة فى قبول هذا الحق، فبسبب نظرتهم المتدنية للكتاب المقدس، هم يرفضون أى فكر فوق الطبيعى أو معجزى، فالكتاب المقدس بالنسبة لهم لا يختلف عن أى كتاب أدبي أخر. والبعض الاّخر يقول أن العصمة لا تشمل كل الكتاب بل تمتد فقط لكل ما هو ضرورى للإيمان والأعمال، أما الأمور المتعلقة بالتاريخ والأنساب والعلم والجغرافيا فالخطأ فيها وراد. كما أن كارل بارت رفض فكرة أن يكون الكتاب المقدس هو كلمة الله وقال أن الكتاب المقدس هو مجرد شاهد لكلمة الله، فكلمة الله هى الكلمة التى عندما تقرأ الكتاب تشعر أن الله هو الذي يتكلم إليك من خلالها. وأي نص أخر غير الذي أشعر أنه يتكلم إلى، لا يعتبر أنه كلمة الله. وخطورة هذا الفكر طبعاً بجانب أنه يجعل من الكتاب مجرد شاهد لكلمة الله أنه يجعل الشخص القارئ الحكم النهائى لما هو كلمة الله ولما هو ليس كلمة الله.


15Benjamin Warfield, The Inspiration and the Authority of the Bible, 126.
16Young, Thy Word is Truth, 60.
17Edward Young, Thy Word is Truth, 92.

أريد أن أذكَّر القارئ بأن إيماننا هو ان الكتاب المقدس هو أنفاس الله وأن هذه الأنفاس تشمل حتى الكلمات، إلا انه توجد عدة أمور نحتاج أن نوضحها ونتذكرها بخصوص الوحي والعصمة:

الأمر الأول: القول بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله لا يعنى أن كل كلمة أو عبارة موجوده فى الكتاب المقدس قالها الله. فالكتاب المقدس يسجل لنا أقوال الشيطان وأكاذيبه فى حواره مع حواء وكذلك فى افترائه على أيوب البار (تكوين 3، أيوب 1). كما يسجل أيضاً أقوال الأغبياء "قال الجاهل فى قلبه ليس إله." كما يسجل أيضا أكاذيب أناس أشرار وأفعالهم. فالقول بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة ليس معناه أن أقوال الشيطان وأكاذيبه صادقة بل معناه أن الكتاب المقدس صادق جداً فى تسجيله لهذه الأقوال والأفعال وأنه لا يكذب بل يقول الصدق ويسجله لنا بأمانة ودقة متناهيتين.

الأمر الثانى: يتضمن الوحي أيضاً أن يسجل رجال الله القديسون رأيهم أو ما شعروا به حتى ولو كان مخالفاً للحق الالهي. مثال على ذلك يسجل لنا الكتاب المقدس ثلاثة اشخاص طلبوا الموت لأنفسهم: موسى رجل الله وإيليا النبي وأيوب الذى وصفه الكتاب بالبار. أن يطلب الإنسان الموت لنفسه ليس شيئأ رائعاً لكن الكتاب المقدس صادق فى تسجيله لنا ما شعر به رجال الله القديسون حتى ولو كان ما شعروا به لا يتمشى مع مقاصد الله وإعلاناته.

الأمر الثالث: يسمح الوحي بأن يستخدم الكاتب البشرى مراجع ومصادر متوفرة: فالأنساب المذكورة فى سفر التكوين من أين أتى بها موسى؟ ومن أين أتى بأنساب ابراهيم واسحق ويعقوب والأسباط الاثنى عشر؟ حتى لوقا ومتى البشيرين عندما كتبا سلسلة نسب الرب يسوع رجعا إلى المصادر والسجلات المتوفرة لكتابتها. إن الوحي الكلى واللفظى يسمح بأن يستخدم الكاتب مصادر كهذه وهذا أيضاً واضح فى تسجيل حياة وأعمال ملوك يهوذا واسرائيل (ملوك الأول والثاني واخبار الايام الأول والثاني) وكذلك قوائم الأنساب المذكورة فى سفرى عزرا ونحميا.

الأمر الأخير: يسمح الوحي بأن يُستخدم كلمتان مختلفتان فى وصف حدث واحد. فمثلاً يسجل البشير متى قول يوحنا المعمدان "لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ" (متى 3: 11) بينما فى إنجيل يوحنا نقرأ "الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ" (يوحنا 1: 27). إن هذه المشكلة البسيطة لا تعنى أن واحداً من البشيرين قد اخطأ فى كتابة ما قاله يوحنا المعمدان. فمتى صحيح ويوحنا صحيح. فمن المؤكد أن خدمة يوحنا المعمدان قد امتدت لسنوات عديدة قال نفس الإعلان بكلمات مختلفة فمرة قال "أحمل" ومرة أخرى قال "أحل." إن تكرار الحق باستخدام كلمات مختلفة هو حال كل الوعَّاظ الذين يكررون الحق الذى ينادون به أكثر من مرة. ولهذا يرى معظم المفسرون أن يوحنا المعمدان ذكر الكلمتين فى موقفين مختلفين.

الفصل الثاني

شهادة الكتاب المقدس عن نفسه 

إن شهادة الكتاب عن نفسه مهمة جداً، فنحن نحتاج أن نستمع لصوت الكتاب المقدس وما يقوله عن نفسه وطبيعته ومصدره الأساسي ومصداقيته وسلطانه. هذه الشهادة ضرورية جداً وبالأخص اذا كان دافعنا الحقيقى هو الوصول إلى فهم وإدراك وإيمان مبني على حقائق وليس على أفكار شخصية مسبقة عن طبيعة الكتاب المقدس، فمن العدالة قبل أن نشير بأصبع الاتهام أن نسأل ونسمع ما يقوله المتهم قبل الحكم عليه وإلا أصبح حكمنا حكماً غير موضوعى ظالماً دون أساس. قد يقول البعض إنهم لا يقبلون شهادة الكتاب المقدس عن نفسه لكن الحقيقة ستبقى واضحة وضوح الشمس كما أن الشمس الساطعة تكشف عن نفسها والأعمى وحده هو الذي لا يرى نورها. هكذا حال منكري عصمة الكتاب المقدس والمعترضين على سماع شهادته عن نفسه، هم مثل رؤساء الكهنة والكتبة الذين اصدروا حكمهم على يسوع حتى قبل الاستماع إلى شهادته ولهذا قال لهم يسوع "إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ وَإِنْ سَأَلْتُ لاَ تُجِيبُونَنِي وَلاَ تُطْلِقُونَنِي." (لوقا 22: 68).

إن شهادة الكتاب المقدس عن نفسه يمكن أن نلخصها في ثلاث شهادات: شهادة العهد القديم وشهادة الرب يسوع وشهادة تلاميذ المسيح.

أولاً: شهادة العهد القديم 

يشهد العهد القديم عن نفسه بانه كلمة الله، فهو يسجل لنا حديث الله المباشر مع الإنسان. فالله على صفحات العهد القديم نراه يتحدث مباشرة لأناس مختلفين. فمثلا يسجل لنا سفر الخروج ان الله تحدث إلى موسى على جبل حوريب. ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات "أنا الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك الهة اخرى أمامى لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما مما في السماء وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض..." (خروج 20: 1-4). لنلاحظ هنا ان كلمة الرب لم تقل ان الله اوحي بافكار إلى موسى، بل تكلم الله بجميع الكلمات וַיְדַבֵּר אֱלֹהִים אֵת כָּל־הַדְּבָרִים كما ان المُلفت للنظر هنا ان هذا النص يؤكد ان الله عندما تكلم مع موسى تكلم بكلمات أى ان ما اراد الرب ان يوصله ويعلمه لشعبه جاء في كلمات وليس مفاهيم او افكار كان على موسى ان يصيغها بمعرفته، "كل او جميع هذه الكلمات." لم يكن حديث الله هذا هو الأول مع موسى. فالله تحدث معه من قبل مرات عديدة، بداية بظهوره له وهو يرعى الغنم في البرية وتكليفه له ان يذهب إلى فرعون حتى يسمح له بخروج الشعب من مصر (خروج 3:1- 4:24). كما لم يكن الأول الذي يسجله الكتاب المقدس فهو قد تحدث من قبل في سفر التكوين مع اّدم ونوح وأبراهيم واسحق ويعقوب...الخ

كما يسجل لنا العهد القديم حديث الله مع الأنبياء وكيف ان نبؤاتهم كانت عن طريق اعلان مباشر من الله لهم. يقول اللاهوتي وين جرودم إن كلام الله المباشر مع اشخاص في العهد القديم يؤكد لنا حقيقتين هامتين:

الحقيقة الأولى: إن العهد القديم يقدم لنا الله على أنه يتواصل مع البشر باستخدام كلمات منطوقة وليس من خلال افكار أو مفاهيم بدون كلمات محددة. هذا المفهوم يسمى "تواصل لفظي" من الله. أي أن الله عندما يتواصل فهو يتواصل بكلمات وألفاظ.

18الحقيقة الثانية: تواصل الله مع البشر فى شكل تواصل مباشر، يؤكد أن اللغة البشرية لم تكن عائقاً أمام الله للتواصل الفعال مع البشر. فلا توجد في كلمة الله أي اشارة إلى أن اللغة البشرية كانت غير كافية أو أنها كانت عائقاً لتواصل الله مع البشر، بل على العكس نجد أن السامعين في الكتاب المقدس اّمنوا أن كل الأقوال التي قالها موسى لهم هى كلمات الله نفسه "كل الأقوال التي تكلم بها الله."

يؤكد لنا الكتاب المقدس أن أنبياء الله في العهد القديم كانوا مدركين أنهم مسوقين من الروح القدس. فعبارات "قال الرب" "هكذا قال الرب" "الرب تكلم" ذُكرت حوإلى 4000 مره في العهد القديم، 500 مره فى التوراه وحدها (أسفار موسى الخمسة: تكوين، خروج، لاويين، عدد، وتثنية). فالأنبياء لم يتكلموا من ذواتهم ولا بسلطانهم، فالنبي ميخا يقارن بين نفسه كنبي للرب وبين الأنبياء الكذبة فيقول "لكِنَّنِي أَنَا مَلآنٌ قُوَّةَ رُوحِ الرَّبِّ وَحَقًّا وَبَأْسًا، لأُخَبِّرَ يَعْقُوبَ بِذَنْبِهِ وَإِسْرَائِيلَ بِخَطِيَّتِهِ" (ميخا 3: 8). كما تحدث النبي زكريا عن خدمته وخدمة الأنبياء الذين أتوا من قبله عندما اتهم شعب الرب بأنهم لم يسمعوا "فَأَبَوْا أَنْ يُصْغُوا وَأَعْطَوْا كَتِفًا مُعَانِدَةً، وَثَقَّلُوا آذَانَهُمْ عَنِ السَّمْع بَلْ جَعَلُوا قَلْبَهُمْ مَاسًا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا الشَّرِيعَةَ وَالْكَلاَمَ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّ الْجُنُودِ بِرُوحِهِ عَنْ يَدِ الأنبياء الأولينَ. فَجَاءَ غَضَبٌ عَظِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْجُنُودِ " (زكريا 7: 11-12). داود نفسه كان مدركاً لهذه الحقيقة عندما قال "رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي. قَالَ إِلهُ إِسْرَائِيلَ. إِلَيَّ تَكَلَّمَ صَخْرَةُ إِسْرَائِيل... " (2 صم 23: 2-3)

لقد كانت رسالة الأنبياء التي قالوها لشعب الرب من عند الرب نفسه، نعم لم تكن رسالتهم من اختراعهم ولا من تفكيرهم وتخيلهم، يقول النبي حزقيال عن الأنبياء الكذبه "


18Wayne A Grudem, “Scripture’s Self – Attestation and the Problem of Formulating a Doctrine of Scripture,” in Scripture and Truth. Eds. by A. D. Carson and John Woodbridge, (Grand Rapids: Baker, 1992), 20.

وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: «يَا ابْنَ آدَمَ، تَنَبَّأْ عَلَى أنبياء إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ، وَقُلْ لِلَّذِينَ هُمْ أنبياء مِنْ تِلْقَاءِ ذَوَاتِهِمِ: اسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَيْلٌ لِلأنبياء الْحَمْقَى الذَّاهِبِينَ وَرَاءَ رُوحِهِمْ وَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا... رَأَوْا بَاطِلاً وَعِرَافَةً كَاذِبَةً. الْقَائِلُونَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَالرَّبُّ لَمْ يُرْسِلْهُمْ، وَانْتَظَرُوا إِثْبَاتَ الْكَلِمَةِ. أَلَمْ تَرَوْا رُؤْيَا بَاطِلَةً، وَتَكَلَّمْتُمْ بِعِرَافَةٍ كَاذِبَةٍ، قَائِلِينَ: وَحْيُ الرَّبِّ، وَأَنَا لَمْ أَتَكَلَّمْ؟" (حزقيال 13: 2-3، 6-7). إن نبي الرب الحقيقي يعلم جيداً أن الكلمة التى يتكلم بها هي كلمة الرب. يصف النبي ارميا دعوته للخدمة فيقول "وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي، وَقَالَ الرَّبُّ لِي: «هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِكَ " (أرميا 1: 9) و كذلك كانت رسالة وكلمات النبي إشعياء كلمات الرب التى وضعها في فمه " وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي» " (أشعياء 51: 16) " قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ" (أشعياء 59: 21). خدمة الأنبياء ورسالتهم نجدها بوضوح في كلمات الرب لموسى في سفر التثنية 18: 18 "أقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإنسان الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ. " طبعاً هذه النبوة صار اكتمال تحقيقها هو في شخص المسيح لكنها تتضمن خدمة ورسالة النبي الحقيقي من الرب.

أن مهمة أنبياء الرب هي أن يتكلموا بكلام الرب. فمن خلال علاقتهم بالرب كان الرب يخبرهم بكلامه وبمشيئته وهو بدوره يعلنها للشعب " إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأنبياء" (عاموس 3: 7). إن نبي الرب دوره فقط أن يعلن كلمات الرب، ولا يقدر –من نفسه- أن يحذف أو يزيد على كلمة الرب أية كلمة أخرى، "الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ، فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ، فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟ " (عاموس 3: 8). حتى النبي بلعام المتمرد والذي أحب المال لم يقدر أن يتكلم بكلام غير الكلام الذى أمره به الرب "وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ الرَّبِّ لأَعْمَلَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا مِنْ نَفْسِي. الَّذِي يَتَكَلَّمُهُ الرَّبُّ إِيَّاهُ أَتَكَلَّمُ" (عدد 24: 13). كما أن الرب يحذر أنبياءه من أي أضافة أو نقصان لكلمته "لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ، لِتَحْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا" (تثنية 4: 2) سفر الأمثال يحمل تحذيراً مشابهاً "لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ... " (أمثال 30: 6).

يقول لندبلوم "إن كلمات الأنبياء هى كلمات سمعوها مباشرة من الله."19 فالنبي إرميا يقول "لأَنَّهُ مَنْ وَقَفَ فِي مَجْلِسِ الرَّبِّ وَرَأَى وَسَمِعَ كَلِمَتَهُ؟ مَنْ أَصْغَى لِكَلِمَتِهِ وَسَمِعَ؟" (أرميا 23: 18). إن الوقوف في "مجلس الرب" בְּסֹוד יְהוָה يشير إلى الوجود في محضر الرب والحديث معه وسماع كلماته، فالنبي هو الشخص الذي يسمع ما يقوله الرب ومن ثم يوصل ما قد سمعه إلى الشعب، فكل كلمة تكلموا بها باسم الرب مصدرها الرب نفسه. فالسمة والعلامة التى تميز النبي الحقيقى عن النبي الكذاب هى أن النبي الحقيقي لا يتكلم من نفسه كما أنه لا يتكلم كلامأ لم يوص به الرب، بل يتكلم فقط بكلام الله. فمثلاً كلمات إيليا لآخأب الملك في ملوك الأول 21: 19 "هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟ ثُمَّ كَلِّمهُ قَائِلاً: هكَذاَ قَالَ الرَّبُّ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ الْكِلاَبُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ الْكِلاَبُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا»، وصفت بأنها "قول الرب" في ملوك الثاني 9: 25-26 "وَقَالَ لِبِدْقَرَ ثَالِثِهِ: «ارْفَعْهُ وَأَلْقِهِ فِي حِصَّةِ حَقْلِ نَابُوتَ الْيَزْرَعِيلِيِّ. وَاذْكُرْ كَيْفَ إِذْ رَكِبْتُ أَنَا وَإِيَّاكَ مَعًا وَرَاءَ أَخْآبَ أَبِيهِ، جَعَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِ هذَا الْحِمْلَ. أَلَمْ أَرَ أَمْسًا دَمَ نَابُوتَ وَدِمَاءَ بَنِيهِ يَقُولُ الرَّبُّ، فَأُجَازِيكَ فِي هذِهِ الْحَقْلَةِ يَقُولُ الرَّبُّ. فَالآنَ ارْفَعْهُ وَأَلْقِهِ فِي الْحَقْلَةِ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ». بجانب تسجيل العهد القديم لحقيقة التواصل المباشر لله مع شعبه من خلال قديسيه وأنبياءه، تسجل كلمة الرب ان الله اوصى أنبياءه بأن يكتبوا ما قد أعلنه لهم في كتاب.

خروج 17: 14 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ هذَا تَذْكَارًا فِي الْكِتَابِ، وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوعَ.
خروج 24: 4 فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ». 4فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ.
خروج 34: 27 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ».
عدد 33: 2 وَكَتَبَ مُوسَى مَخَارِجَهُمْ بِرِحْلاَتِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.
تثنيه 31: 22، 24 فَكَتَبَ مُوسَى هذَا النَّشِيدَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَّمَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ...فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إلى تَمَامِهَا.
يشوع 24: 26 وَكَتَبَ يَشُوعُ هذَا الْكَلاَمَ فِي سِفْرِ شَرِيعَةِ اللهِ. وَأَخَذَ حَجَرًا كَبِيرًا وَنَصَبَهُ هُنَاكَ تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ الَّتِي عِنْدَ مَقْدِسِ الرَّبِّ.
1 صموئيل 10: 25 فَكَلَّمَ صَمُوئِيلُ الشَّعْبَ بِقَضَاءِ الْمَمْلَكَةِ، وَكَتَبَهُ فِي السِّفْرِ وَوَضَعَهُ أَمَامَ الرَّبِّ.
1 أخبار الايام 29: 29 وَأُمُورُ دَاوُدَ الْمَلِكِ الأولى وَالأَخِيرَةُ هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ صَمُوئِيلَ الرَّائِي،
إرميا 30: 2 (انظر ايضا إرميا 26: 1، 36: 1-32، 45: 21، 51: 60) اَلْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إلى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلاً: 2«هكَذَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: اكْتُبْ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ
إشعياء 30: 8 تَعَالَ الآنَ اكْتُبْ هذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَارْسُمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إلى الدُّهُورِ.
حزقيال 43: 11 وَاكْتُبْ ذلِكَ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ لِيَحْفَظُوا كُلَّ رُسُومِهِ وَكُلَّ فَرَائِضِهِ وَيَعْمَلُوا بِهَا.
حبقوق 2: 1-2 فَأَجَابَنِي الرَّبُّ وَقَالَ: «اكْتُبِ الرُّؤْيَا وَانْقُشْهَا عَلَى الأَلْوَاحِ لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا، لأَنَّ الرُّؤْيَا بَعْدُ إلى الْمِيعَادِ، وَفِي النِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ.

19Johannes Lindblom, Prophecy in Ancient Israel ( Oxford: Blackwell, 1967), 110.

إن هدف الله من تسجيل وكتابة إعلاناته وحديثه إلى شعبه هو أن يصبح النص المكتوب شاهداَ على عهد الله وتدبيراته مع شعبه ولهذا سمى الكتاب الذي امر الله موسى ان يكتبه باسم "كتاب العهد" (خروج 24: 7، ملوك الثاني 23: 2، 21، أخبار الايام الثاني 34: 30) كما أن النبي إشعياء أكد هذه الحقيقة عندما كتب الكتاب ليكون شاهداً ضد شعب الرب إلى الأبد " تَعَالَ الآنَ اكْتُبْ هذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَارْسُمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إلى الدُّهُورِ" (اشعياء 30: 8، أنظر أيضاً تثنية 31: 19، 26). يقول ويين جررودم "إن وظيفة الكتابة مرتبطة بأن كلمات النبوة هي كلمات الله نفسه"20 ولهذا فهي نافعة لكل الناس وفي كل زمان. عندما قرأ موسى كتاب العهد في مسامع الشعب رد الشعب بصوت واحد قائلين «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ» (خروج 24: 7). فالكلمة المكتوبة من رجال الله القديسسن نظر إليها شعب الرب على أنها كلمة الرب. يقول بروكسيك "أن كل الكتاب اعُتبر "كلمة الله" ففى النص المكتوب اختفى التفريق بين الصوت الإلهي والطريقة البشرية التى عبر بها سواء شعراً أو أقوالاً مباشرة، فكل العهد القديم هو كلمة الله."21 إن العهد القديم لم يفرق بين كلمة الله المكتوبة والكلمة المقوله من خلال الأنبياء فكلتاهما كلمة الرب التى تحدث بها الله إلى شعبه، فسواء كانت في شكل نص مكتوب او في شكل كلام مسموع فهى كلمة الرب وتحمل سلطان الله.

ثانياً: شهادة الرب يسوع عن الكتاب المقدس 

كيف نظر الرب يسوع للأسفار المقدسه؟ وكيف تعامل مع كل الجوانب فيها؟ كيف نظر إلى تاريخ أحداث العهد القديم وكُتاب أسفار العهد القديم؟ الإجابة على هذه الاسئلة نجدها بوضوح في الأناجيل الاربعة فقد تناولت حياة السيد المسيح وخدمته وتعاليمه. ومنها نرى السيد المسيح قد تناول العهد القديم من أكثر من زاويه. هذه الزوايا سوف نتناولها بوضوح لأنها فى غاية الأهمية.


20Wayne Grudem, “Scripture: Self-attestation and the problem of formulating a Doctrine of Scripture,” in Scripture and Truth, 27.
21Prochsch, Theological Dictionary of the New Testament. Eds. Gerhard Kittel and Gerhard Friedrich. (Grand Rapids: Eerdmans, 1974), 4: 96.

  1. المسيح وتاريخ العهد القديم: نظر السيد المسيح له كل المجد إلى تاريخ العهد القديم على أنه تاريخ صحيح. فأحداث العهد القديم كلها أحداث تاريخية تمت في زمان ومكان معينين، كما أن شخصيات العهد القديم كانت شخصيات تاريخية. فالسيد المسيح قد تناول شخصيات وأحداث منذ خلق الكون إلى زمن الأنبياء، أي أنه شمل العهد القديم كله من سفر التكوين إلى الأنبياء الصغار. لم يشُك المسيح في تاريخية الأحداث ولا فى تاريخية شخصياته على الاطلاق. والجدول التالي يبين لنا استشهاد السيد المسيح عن أشخاص وأحداث العهد القديم التاريخية. 22

  2. شخصيات واحداث العهد القديم الشاهد الكتابي في عهد قديم الشاهد الكتابي في عهد جديد
    1 – قايين تكوين 4 لوقا 11: 51
    2 – نوح تكوين 6 متى 24: 37- 39، لوقا 17: 26
    3- إبراهيم تكوين 18 يوحنا 8: 56
    4- تشريع الختان تكوين 17 يوحنا 7: 22
    5- سدوم وعموره تكوين 19 متى 10: 15، لوقا 10: 12
    6- لوط تكوين 19 لوقا 17: 28-32
    7- اسحق ويعقوب تكوين 25-49 متى 8: 11، لوقا 13: 28
    8- المن من السماء خروج 16: 15، عدد 11: 7-9 يوحنا 6: 31، 49
    9- الحية النحاسية عدد 21: 9 يوحنا 3: 14
    10- داود وخبز التقدمه صموئيل الأول 21: 1-6 متى 12: 3، 4 لوقا 6: 3، 4
    11- داود كاتب المزامير سفر المزامير متى 22: 43، لوقا 20: 42
    12- الملك سليمان ملوك الأول 5-11 متى 6: 29، 12: 42، لوقا 11: 31
    13- إيليا النبي ملوك الثاني 5: 1- لوقا 4: 27
    14- أليشع ونعمان السرياني ملوك الثاني 5: 1-14 لوقا 4: 27
    15- يونان النبي سفر يونان متى 12: 39-41، لوقا 11: 29-32
    16- زكريا أخبار الايام الثاني 24: 20، 21 لوقا 11: 51
    17- توبة رجال نينوى يونان 2 متى 12: 41، لوقا 11: 30-32
    18- زيارة ملكة سبأ لسليمان ملوك الأول 10 متى 12: 43، لوقا 11: 31

    22The present writer is in debt to John Wenham and his master work, Christ and the Bible (Grand Rapids: Baker, 1994), 16-44.

    هذا الجدول يؤكد لنا أن الرب يسوع قَبل تاريخية أحداث العهد القديم وقَبل أيضاً تاريخية أشخاصه. طبعاً هذا عكس إيمان اللاهوتيين المحدثين الذين ينكرون تاريخية العهد القديم ويشككون في تاريخية شخصياته. أُعطى مثلاً واحداً على هذا وهو شخصية يونان، حتى القرن التاسع عشر كانت شخصية يونان فى الإيمان اليهودى والإيمان المسيحي شخصية تاريخية. لكن مع بداية القرن التاسع عشر بدأ البعض في التشكيك في تاريخية يونان النبي، فبالنسبة لهم يونان ليس شخصية حقيقة بل السفر كله يعتبر نوعاً من الفلكلور الشعبى (قصة غير واقعية الهدف منها التعليم او التسلية) كتبت فى زمن عزرا ونحميا حتى تساعد الشعب العائد من السبى أن يقبل الشعوب الاخرى ويسمح لهم بالعيش معهم فكثيرون من اليهود فى فترة السبى قد ارتبطوا بنساء أجنبيات. طبعاً هذا الكلام يخلو من الصحة وليس له أى سند كتابى أو تاريخي وليس المجال هنا أن أتحدث عن أدلة قاطعة لتاريخية يونان لكن ما ريد ان اتحدث عنه هو شهادة الرب يسوع عنه. فعندما طلب الكتبة والفريسيون من يسوع أن يصنع لهم أّية قال لهم "«جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإنسان فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال" (متى 12: 38- 40، لوقا 11: 29-30، 32).

    إن خطورة نكران تاريخية يونان النبي هى أنها تعتبر طعناً فى عقيدة لاهوت المسيح فهى تجرد المسيح من صفة "كلى المعرفة والعلم." فكيف ليسوع الذي نؤمن بأنه هو الله الذي ظهر فى الجسد أن يجهل إن كان يو نان شخصية تاريخية أم لا؟. إن الكتاب المقدس، العهد القديم أقر بأن يونان شخصية تاريخية ففي ملوك الثانى 14: 23-25 نقرأ "فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ لأَمَصْيَا بْنِ يُوآشَ مَلِكِ يَهُوذَا، مَلَكَ يَرُبْعَامُ بْنُ يُوآشَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. لَمْ يَحِدْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ. 25هُوَ رَدَّ تُخُمَ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إلى بَحْرِ الْعَرَبَةِ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ النَّبِيِّ الَّذِي مِنْ جَتَّ حَافِر."

    فى شهادة الرب يسوع عن الكتاب المقدس نجد أنه ذكر مرات عديده أن الناموس قد أعطى من خلال موسى (متى 8: 4، 19: 8، مر 1: 44، 7: 10، 10: 5، 12: 26، لوقا 5: 14، 20: 37، يوحنا 5: 46، 7: 19. كما تحدث أيضا عن اّلآم ومعاناة أنبياء العهد القديم (متى 5: 12، 13: 56، 21: 34-36، يوحنا 2: 29-37، مر 6: 4. لقد تحدث يسوع أيضا عن مصداقية الأصحاحات الأولى من سفر التكوين والمتعلقة بخلق الكون والإنسان (متى 19: 4، 5، مر 10: 6-8).

  3. الأسفار المقدسة هى المرجع الوحيد فى حواراته ونقاشاته: فالأسفار المقدسة هي الدستور الوحيد والمرجع ليس فقط للإيمان بل للسلوك والأخلاق. فعندما جاء إليه الشاب الغنى ليسأله عن الحياة الأبدية أجابة يسوع بما هو مكتوب فى الوصايا العشر وسفر اللاوين " تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ.هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَ?لثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ". (متى 19: 18، 19، 22: 37-40 مرقس 10: 19،12: 29-31، لوقا 18: 20). يقول ج فوس "إن يسوع مرة ثانية جعل صوت الناموس هو صوت الله الحى نفسه...ولهذا فمطالبه نهائية وتجاوب الإنسان بالطاعة من كل القلب والنفس والقدرة ضرورى جداً23"

    حتى فى تجربته على الجبل كانت ردوده كلها من المكتوب:

    «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإنسان، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ» (تثنية 8: 4).

    «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ» (تثنية 6: 16).

    «مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» (تثنية 6: 13).

  4. المسيح ومصداقية نبوات العهد القديم. نتنأول هنا فقط النبوات المرتبطة بموته وصلبه:

    * لوقا 18: 31-33 "وَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ:«هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إلى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأنبياء عَنِ ابْنِ الإنسان، لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إلى الأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».

    * لوقا 22: 37 "لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ».

    * متى 26: 24 " إِنَّ ابْنَ الإنسان مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ..."

    * لوقا 24: 46-47 "وَقَالَ لَهُمْ:«هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ."

    * متى 26: 53-56 "تَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إلى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟». فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. وَأَمَّا هذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأنبياء."

    * يوحنا 15: 24-25 " لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي. لكِنْ لِكَيْ تَتِمَّ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ." * يوحنا 13: 18 "«لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ."

    يقول وينهام " فى نظر المسيح كل ما يقوله الكتاب المقدس هو كلمة الله، فالله هو مصدرها الاساسى."


    23Geerhardus. Vos, The Teaching of Jesus Concerning the Kingdom of God and the Church (Grand Rapids: Baker, 1951), 61-63.
    24Wenham, Christ & the Bible, 28.
  5. المسيح وعصمة الاسفار المقدسة – قال الرب يسوع في الموعظة على الجبل «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأنبياء. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إلى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (متى 5: 17-18). إن "الناموس والأنبياء" يشير إلى كل أسفار العهد القديم. فاليهود أيام الرب يسوع كانوا يلقبون العهد القديم "بالناموس والأنبياء" (متى 7: 12، 11: 13، 22: 40، لوقا 16: 16، يوحنا 1: 45، أعمال 13: 15، 28: 23، روميه 3: 21) أو "بالناموس والأنبياء والمزامير" (لوقا 24: 44) أو فقط "بالناموس" (متى 5: 18، يوحنا 10: 34، 15: 25، 1 كو 14: 21). يقول الرب يسوع إنه جاء "لا لكى ينقض...بل ليكمل" إن كلمة "يكمل" باليوناني هي "بليرؤ"πληροω وهى تعنى هنا أن الناموس والأنبياء أو أسفار العهد القديم كلها تشير إلى مجئ المسيح وتتحدث عن شخصه، عمله، فدائه، فالمسيح هو محور وهدف العهد القديم ومجيئه هو تحقيق وكمال هذا الاعلان. يكمل الرب يسوع كلامه فيقول " إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ " لاحظوا أن الرب يسوع تحدث عن الحرف، أي أن إعلان الله في الناموس والأسفار هو كلمة الله ولا يمكن أن يزول حرف واحد من كلمة الرب، كما أن يسوع تحدث عن ما هو أصغر من الحرف وهو نقطة واحدة. أن أصغر حرف في الأبجدية العبرية هو حرف اليود י ، يقول: د. أ. كارسون "إن المسيح هنا يعلن تمسكه بسلطان الأسفار المقدسة حتى أصغر نقطة فيها"25 إن قول المسيح "حرف واحد او نقطة واحدة" مهمة جداً لأن الكلمة مكونة من حروف والكلمات تحمل معانى. إن الرب يسوع في هذه الأيات البسيطة يؤكد سلطان الكتاب المقدس وأن زوال حرف واحد أو نقطة واحدة مرتبطُ بأمرين: الأول: "زوال السماء والأرض" وهو إشارة إلى انتهاء الزمان، ثانياً: "يكون الكل" إن كلمة كل παντα"بانتا" باليونانى تشير إلى كل ما تنبأت عنه الأسفار المقدسة، حتى تكتمل كل النبوات وتتحقق، المقصود هنا كل مقاصد الله، المقاصد التى عينها من قبل خلق العالم.

    عندما اتهم اليهود شخص المسيح بالتجديف لانه قال عن نفسه أنه الله (يوحنا 10: 30-33)، اقتبس المسيح في رده عليهم من العهد القديم "أجابهم يسوع أليس مكتوباً فى ناموسكم أنا قلت إنكم اّلهة" (مزمور 82: 6). فى هذا المزمور يتحدث الله كقاض حقيقى (82: 1، 8) لكن القضاة البشر الذين اختارهم الله لينوبوا عنه يلقبهم "بالاّلهه"، بالتاكيد هم ليسوا آلهة لكن بسبب المكانة التى لهم بين البشر يلقبون بالآلهه. حتى يومنا هذا فى انجلترا وكندا نرى أعضاء البرلمان يلقبون بلقب Lords "لوردس" مع ان لقب "لورد" معناه الرب او السيد. الاّن نعود إلى حديث المسيح مع الفريسيين حيث يقول المسيح لهم في بعض الظروف يمكن ان نلقب البشر "بالالهه" فلماذا تعتبرونى مجدفاً عندما اقول عن نفسى إننى اله. فى هذه القرينة لابد ان نستمع إلى يسوع وهو يقول له "أجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إلى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟" (يوحنا 10: 34-36). نلاحظ هنا أن المسيح قال "ولا يمكن أن ينقض المكتوب" والمكتوب هنا γραφη إشارة إلى الأسفار المقدسة (العهد القديم). إن الوحي الالهي يمتد ليشمل كل كلمة وكل جزء فى كلمة الله، فما فى فكر الله أعلنه الله لنا فى كلمات، كلمات لها معانٍ محدده ولهذا ساق الروح القدس كل الكتاب البشريين لكى يكتبوا بأسلوبهم كل كلمة وكل جمله كتبت تحت سلطان وسيادة الروح القدس لدرجة أن كل ما كتبوه هو بالضبط ما أراده الله أن يُكتبَ دون زيادة أو نقصان.

  6. المسيح والوحي اللفظى مع أن الرب يسوع تحدث عن الكتاب البشريين لكلمة الله مثل موسى وداود...الخ إلا أنه ذكر مرات عديدة الجانب الالهي في كتابة الوحي وهو الروح القدس الذي يُعتبر المؤلف الأساسي لكلمة الله، هذا يؤكده لنا المرات العديدة التى قال فيها السيد المسيح "أما قرأتم..." و "المكتوب"

    لوقا 4: 21 "فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ:«إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ».

    متى 21: 42 "وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ قَائلاً:«مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ:«ابْنُ دَاوُدَ». قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ.

    مرقس 12: 10 "أمَا قَرَأْتُمْ هذَا الْمَكْتُوبَ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ، هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟"

    متى 26: 54 "فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟».

    يوحنا 5: 39 "فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي."

    يوحنا 7: 38 "مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيّ."

    متى 12: 7 "َوَمَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ..."

    متى 19: 4 "فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟"

    متى 21: 16 "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«نَعَمْ! أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِنْ أَفْوَاهِ الأَطْفَالِ وَالرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسْبِيحًا؟».

    متى 22: 31 "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ الْقَائِلِ: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ."

    مرقس 2: 25 "فَقَالَ لَهُمْ:«أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ احْتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ؟"

    مرقس 11: 17 "وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ:«أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ».

    إن تكرار قول الرب يسوع "مكتوب" و "ما قرأتم" يؤكد أنه لم يفرق بين ما هو تاريخي أو إيماني أو نبوى... الخ. إن مفهوم الرب يسوع عن الأسفار المقدسة هو أن كل جزء منها دون تميز على الإطلاق هو موحي به من الله، وما يؤكد ذلك اقتباساته الكثيرة جداً من العهد القديم سواء من التوراة و المزامير والأنبياء، فالأسفار المقدسة كلها جماعة وكل سفر على حدة بل كل جزء في كل سفر هو كلمة الرب. يقول جون وينهام "إن شهادة الرب يسوع عن وحي المكتوب تتطلب إنتباهاً شديداً وذلك لأن الوحي اللفظي واضح جداً في إيمان يسوع بالمكتوب... فالرب يسوع أعطى النص المكتوب سلطاناً مطلقاً... إن المكتوب يتكون من كلمات ولهذا فلابد أن يكون الوحي قد شمل الكلمات أيضاً"26 حتى بعد قيامته من الأموات عندما تقابل مع تلميذى عمواس كان يسوع يوضح لهم كيف أن المسيا كان ينبغي أن يموت ويقوم " ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ " (لوقا 24: 27).


25D.A. Carson, “Matthew” The Expositor’s Bible Commentary, Ed., Frank E. Gaebelein. (Grand Rapids: Zondervan, 1979). 143. 26John Wenham, Christ and the Bible, 33.

ثالثاً: شهادة رسل المسيح عن الكتاب المقدس 

بطرس الثانية 1: 19-21

وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إلى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إلى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،عَالِمِينَ هذَا أولاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.

هذا النص مهم جداً في دراستنا للوحي وعصمة الكتاب المقدس ولهذا يتطلب أن ننظر إليه باكثر تدقيق. يكتب الرسول بطرس رسالتة الثانية مذكراً المؤمنين بالامور التى تحدث معهم فيها في رسالته الأولى. فيقول لهم "لِذلِكَ لاَ أُهْمِلُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ دَائِمًا بِهذِهِ الأُمُورِ، وَإِنْ كُنْتُمْ عَالِمِينَ وَمُثَبَّتِينَ فِي الْحَقِّ الْحَاضِرِ" (2بطرس 1: 12). إن إحساس بطرس بقرب ساعة موته جعله يؤكد هذه الحقيقة للمؤمنين حتى يتذكروا ويثبتوا على ما علمهم إياه "وَلكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقًّا ­ مَا دُمْتُ فِي هذَا الْمَسْكَنِ­ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِالتَّذْكِرَةِ، عَالِمًا أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ، كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ أَيْضًا" (1: 13-14)، وهو يعمل هذا "فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهذِهِ الأُمُورِ" (1: 15). لكن ما هى الأمور التى يذّكر الرسول بطرس بها المؤمنين؟ بالتاكيد هي أمور مرتبطة بمعرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. فمعرفة الرب يسوع موضوع أساسى في هذه الرسالة. فبطرس يبدأ رسالته بتحية المؤمنين قائلاً لِتَكْثُرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ بِمَعْرِفَةِ اللهِ وَيَسُوعَ رَبِّنَا" (1: 2) ثم يقول في عدد 3 " كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَة." لذلك في عدد 8 من نفس الأصحاح يتحدث بطرس عن معرفة الرب يسوع المسيح "أَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ." كما يختتم بطرس رسالته بتحذير وتشجيع: تحذير من الانقياد بضلال الأردياء، وحث للنمو في النعمة ومعرفة الرب يسوع المسيح "فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ قَدْ سَبَقْتُمْ فَعَرَفْتُمُ، احْتَرِسُوا مِنْ أَنْ تَنْقَادُوا بِضَلاَلِ الأَرْدِيَاءِ، فَتَسْقُطُوا مِنْ ثَبَاتِكُمْ. وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإلى يَوْمِ الدَّهْرِ. آمِينَ" (2بطرس 3: 18).

ابتداءً من عدد 16 يتحدث بطرس عن اختبار التجلي عندما اخذ يسوع معه بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد بهم إلى جبل التجلى وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمش...وظهر له موسى وإيليا يتكلمان معه... وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا" (متى 17: 1-8). يقول بطرس للمؤمنين إنه لم يتبع خرافات مصنعة بل إنه عرفهم بقوة المسيح ومجيئه. فالحديث عن يسوع الرب ليس من اختراع بشر كما أنه ليس قصة جميلة دون أساس تاريخي (خرافة) بل العكس إن ربوبية المسيح هى حقيقة واقعية راّها بطرس بعينيه وسمع صوت الاّب من السماء وشهادته عن الابن المحبوب. يقول بطرس "وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ" (1: 18). بالرغم من شهادة بطرس التي تعتبر شهادة عيان عن مجد وكرامة المسيح، شهادة تضمنت النظر والسمع، إلا أن بطرس يقول في العدد التالى "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ..." (1: 18). بالرغم من شهادة بطرس واختباره إلا إنه يقول للمؤمنين "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ"، أي أن شهادة الكلمة النبوية عن المسيح أثبت من أى شهادة، فهي أعظم من الاختبار الشخصى وأثبت من أى شئ. بهذه الشهادة يقول الرسول بطرس إن "الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ" أكثر ثباتاً وأكثر وضوحاً من أي شهادة أخرى.

لكن ما هي الكلمة النبوية Προφητικον λογον 27التى يتحدث عنها بطرس الرسول هنا؟ للإجابة عن هذا السؤال نقول انه يوجد بُعدان للكلمة النبوية: البعد الأول: هو أن الكلمة النبوية تشير إلى العهد القديم. فموسى نبي الله وكل الأنبياء هو "الكلمة النبوية" فأنبياء الرب تكلموا بكلمة الرب وسجلوا كلمة الرب في الأسفار المقدسه. والبعد الثاني هو أن "الكلمة النبوية" لا تشير فقط إلى العهد القديم بل إلى العهد الجديد أيضاً. فبطرس شهد عن رسائل الرسول بولس وأن بولس كتب للمؤمنين لكى يجتهدوا ليوجدوا عند المسيح بلا دنس ولا عيب في سلام. كما تحدث ايضاً عن هؤلاء الذين يحرفون الأمور عسرة الفهم التى تحدث عنها بولس. إن حديث بطرس هذا عن كتابات بولس هو شهادة على أن اسفار العهد الجديد قُبِلت من الرسل والكنيسة الأولى على أنها أسفار موحي بها من الله وطبيعة "الكلمة النبوية" على أنها حق لأنها كلمة الرب الإله الحق "المنزه عن الكذب" (تيطس 1: 2). وبما ان الله منزه عن الكذب وإله حق فكلمته ايضاً منزهة عن الكذب ولا تقول إلا الحق. فبطرس يقول إن "الكلمه النبوية" تؤكد كلامه وشهادته عن الرب يسوع وإن ما اختبره هو حق. يقول ج بيكر إن قول الرسول بطرس "وعندنا الكلمة النبوية" يؤكد بكل وضوح مصداقية كلمة الله." لكن من أين تستمد الأسفار المقدسة مصداقيتها؟ هل مصداقية الأسفار المقدسة مرتبطة بالكاتب البشري أم بالروح القدس؟ بالتأكيد فإن مصداقية الأسفار المقدسة مؤسسة أولاً وأخيراً على أن مصدرها هو الله وليس البشر. لهذا السبب يقول الرسول بطرس "أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." نلاحظ هنا حقيقتين في غاية الأهمية: الحقيقة الأولى هي "أَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إنسان"، بمعنى أن المصدر الأساسى للنبوات هو الله وليس البشر. فالأنبياء لم يتنبأوا من عندياتهم لكن ما تكلموا به هو من الله. إنه قول جامع يشمل كل نص سواء كان تاريخياً أم جغرافياً أم علمياً أم سلوكياً وسواء ما يتضمنه هو إعلان عن طبيعة الله أم هو إعلان عن طبيعة الإنسان أو الكون؟. ولهذا فمن الخطورة أن نختار ما يحلو لنا ونقول أن هذا القول هو موحي به وذاك القول غير موحي به. فالكتاب المقدس كله هو كلمة الله ولهذا فهى تحمل صفات الله وأهمها الصدق والحق. والحقيقة الثانية مرتبطه بالجانب البشرى "أناس الله القديسون" فمع أن الكتاب المقدس هو كلمة الله إلا انه أيضا كلمة بَشَر بمعنى أن الله استخدم بشراً في كتابته وهذا هو سر الأختلاف في الأسلوب فالله لم يمحو شخصية الكاتب بل سخرها لتكون أداة في يده "مسوقين من الروح القدس." ان كلمة مسوقين θερομενοι تشير إلى السفينة التى تسيرها قوة الرياح، كما أنها تشير إلى غصن الشجرة الذى تحمله مياه متحركه كيفما تشاء، فهى تشير إلى التحكم الكامل لروح الله، تحت سيطرة وقيادة الروح القدس حتى ان كل ما كتبوه هو بالضبط ما أراده الله أن يُكتب دون زيادة أو نقصان. بعدما أُطْلق اليهود بطرس ويوحنا وأَتَيَا إلى رُفَقَائِهِمَا وَأَخْبَرَاهُمْ بِكُلِّ مَا قَالَهُ لَهُمَا رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ من تهديد ووعيد، تقول كلمة الرب "فَلَمَّا سَمِعُوا، رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتًا إلى اللهِ وَقَالُوا:«أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ؟..."(أعمال 4: 23-25). ان الله هو مصدر نبؤات داود "القائل بفم داود" أى أن داود لم يقل من عنده شيئاً بل كل ما كتبه داود في المزامير هو أولاً وأخيراً كلمة الله التى تكلم بها على فم داود. كذلك الرسول بولس قَالَ «...إِنَّهُ حَسَنًا كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ..." فالروح القدس تكلم للاّباء من خلال فم إشعياء النبي، فالله هو المصدر لنبوة إشعياء. يقول بيكر "إن المفهوم الذي يجب أن يكون عندنا بخصوص الوحي هو الوحي المتجسد، بمعنى أنه كما أن شخص المسيح يسوع ابن الله إذ أخذ طبيعة بشرية لم يؤثر ذلك على طبيعته الإلهية، كذلك كلمة الله الكتاب المقدس قد كُتبَ بلغة بشرية لكنه ظل، من حيث الجوهر، كلمة الله."28 ان هذه الحقيقة تقودنا إلى الإيمان بمصداقية كلمة الله وعصمتها من أى خطأ!


27James I Paker, “A Lamp in A Dark Place,” in Can We Trust the Bible, (Wheaton: Tyndale, 1979),22.
28Ibid 23.,

الفصل الثالث

عصمة الكتاب المقدس 

إن موضوع العصمة مرتبط بنزاهة وخلو الكتاب المقدس من أى خطأ. لكن ماذا نعني بالقول إن الكتاب المقدس معصوم ومنزه عن كل خطأ؟ يقول يونج إن كلمة "معصوم" تعني أن "الكتاب المقدس يملك سلطاناً لا يزول أو كما عبرَّ المسيح عنه:"لا يمكن أن ينقض المكتوب" (يوحنا 10: 31)... وهذا يعنى أن الكتاب المقدس لا يمكن أن يسقط أو يزول فى أحكامه وقراراته، وأن تعاليمه جميعاً ذات سلطان نهائي دائم ولا تقبل العكس أو الخطأ او التناقض، بل تعلو على البطلان والزيف والشطط، ويمكن أن يقال عن الحق المتضمن فيها، إن السماء والارض تزولان دون أن يزول هذا الحق أو يتراجع أو يبيد أو ينقض."29 فالعصمة تشير إلى خلو الكتاب المقدس من كل خطأ، فهو منزه عن الغلط والكذب والبهتان.

أعتراضات على العصمة 

يقدم المعترضون على عصمة الكتاب المقدس بعض الأسباب التى يقولون إنها وراء رفضهم للعصمة المطلقه للاسفار المقدسة.

  1. العصمة ليست كلمة كتابية ولم يأت ذكرها فى الكتاب المقدس كله ولهذا فلا ينبغي لنا أن نستخدمها. طبعاً هذا قول حق يراد به باطل فليس هذا سبباً منطقياً يجعلنا نتنازل عن عصمة الكتاب المقدس. فمع أن الكتاب المقدس لا يحتوى على كلمة "ثالوث" لم تتردد الكنيسة أن تستخدم هذه الكلمة لتؤكد أن الله واحد مثلث الأقانيم.. فأول من استخدم كلمة ثالوث هو تيرتليان من شمال افريقيا (160-225 ) ومن بعده صار تعبير "الثالوث" الذى تبنته الكنيسة لتؤكد أن الله مثلث الأقانيم (أب وإبن وروح قدس) كما استخدمت الكنيسة أيضاً الكلمة "أقنوم" للاشارة إلى الاقانيم الثلاثة.
  2. 30يقول المعترضون على العصمة إنه لا يمكننا أن نتحدث عن الكتاب المقدس على أنه معصوم لأن العصمة مرتبطه بالمخطوطات الأصلية والمخطوطات الأصلية غير موجودة. إن غياب المخطوطات الأصلية ليس دليلاً على عدم العصمة فآلاف النسخ الموجودة والمتشابهة بنسبة 97% تؤكد صحة الكتاب .

  3. يحتوى الكتاب المقدس على تناقضات. وهنا أريد أن أشجع القارئ على الرجوع إلى كتاب الدكتور القس منيس عبد النور "شبهات وهمية حول الكتاب المقدس" ليجد الإجابه على كل ما يبدو أنه تناقضات وصعوبات فى الكتاب المقدس.

  4. صعوبات مرتبطة بالنقد التاريخي – إن جوهر النقد التاريخي هو نظرته إلى الكتاب المقدس كأى نص أدبي يخضع -في نظرهم- إلى الأسلوب الحديث وأدواته في دراسة أي نص أدبي. فمدرسة النقض التاريخي تنظر إلى الكتاب المقدس على أنه نتاج بشر، وبهذا ينكرون الوحي. إن مشكلة هذا التوجه أنه يفرض الأسلوب العلمى للإنسان البشري على كلمة الله كأنه هو المقياس الوحيد للصواب والخطأ.

  5. نظرية التكيف: تدّعى هذه النظرية ان الكتَّاب البشريين وهم يستخدمون اللغه البشرية يكتبون اقتناعات غير حقيقية مع أنها كانت فى فكرهم وفى زمانهم أموراً صحيحة (أخطاء غير مقصودة). هذا الفكر بدأ مع مقاله دانيال فولر عندما قال إن قول المسيح حبة الخردل هى"أصغر جميع البذور" غير صحيح لأن حبة الخردل ليست أصغر جميع البذور بل حبة الأوركيد هى الأصغر وهى بذور لا ترى بالعين المجردة بل تحتاج أن تضعها تحت الميكروسكوب لتراها، لكن الرب يسوع استخدم المتعارف عليه بين الناس فى ذلك الزمان بالرغم من تعارضه مع الحقيقة31. بالنسبه لدانيال فولر، بما أن الكتاب هدفه الأساسى هو الإيمان والأعمال والرب يسوع فى متى 13 هدفه ان يعلمنا عن ملكوت السموات وليس عن أنواع البذور وأحجامها فلا توجد مشكلة فى أن يكون القول "أصغر جميع البذور" غير صحيح لكن المهم أن حديثه وتعليمه عن الملكوت هو تعليم صحيح. لكن المشكلة هى أنه من الصعب بل من المستحيل فصل كلام المسيح وتصنيفه إلى صحيح وغير صحيح، فإما أن يكون كله صحيحاً وحقاً أو يكون كله خطأ، إما أن يكون المسيح حقاً فى أصغر أمر كما أنه حق في أكبر أمر، وإما أن يكون على خطأ فى كل الأمور، فمن يخطئ فى واحدة يكون الخطأ وارداً فى حياته وحاشا ليسوعنا الذي هو كلى المعرفة والعلم أن لا يعرف الفرق فى الحجم بين حبة الخردل وحبة الاوركيد. بالنظر إلى النص فى اللغه اليونانية "اصغر جميع البذور"

    ὃ μικρότερον μέν ἐστιν πάντων τῶν σπερμάτων

    إن كلمة "بذور" هى سبيرما تشير إلى البذار التى تزرع من أجل الحصاد، فالرب يسوع لا يتحدث عن البذور بوجه عام بل البذور التى يزرعها المزارع ليحصد منها ثماراً. إن الرب يتحدث لأناس مزارعين يعرفون أحجام البذور التي تزرع وأصغر هذه البذور هى بذرة الخردل. إن حبة الخردل أصغر البذور التي يزرعها المزارعون فى فلسطين وعندما تنمو يصل ارتفاعها إلى ما بين 10 - 12 قدم أى متريين إلى ثلاثة امتار.


29Ibid., 134.
لمزيد من التفاصل انظر الباب الرابع.30
31Daniel P. Fuller, "The Nature Of Biblical Inerrancy," in the American Scientific Affiliation Journal. XXIV/2 (June 1972) 50.
24See also Montgomery, John Warwick, God's Inerrant Word, (Minneapolis: Bethany Fellowship Inc.,1973),.

حقائق مرتبطة بعصمة الكتاب المقدس 

هنا نحتاج أن نوضح لمن يعترضون على عصمة الكتاب المقدس ويرفضونها أن العصمة، بحسب تعريف اللاهوتي ميلر اريكسون، تعني "أن الكتاب المقدس عندما يفسر تفسيراً صحيحاً في ضوء الثقافة ووسائل التواصل في زمن الكتابة وفي ضوء الغرض من اعطائه لنا، فهو كامل في كل ما يؤكده."32 من هنا ينبغى أن نؤكد بعض الحقائق الخاصة والمرتبطة بالعصمة

  1. العصمة لا تتعارض مع صعوبة التفسير. لابد أن نعترف بأن الكتاب المقدس يحتوي على نصوص صعبة التفسير وبعض الأجزاء تبدو من الظاهر وكأنها تتعارض مع أجزاء أخرى. لكن صعوبة التفسير لا يعنى عدم العصمة وليست أيضاً دليلاً على أن الكتاب المقدس يحتوي على أخطاء. بل أننا لا نملك المعرفة الكافية التى تمكننا من تفسير هذه النصوص وفهمها فهماً صحيحأً. ومع تقدم المعرفة والاكتشافات الأثرية الحديثة أمكننا الآن تفسير نصوص صعبة كثيرة.

  2. حكمنا وفهمنا للكتاب المقدس لابد أن يكون من خلال فهمنا للخلفية التاريخية والثقافية التى قيل فيها. فمثلاً في دراستنا لأسلوب البحث العلمي الحديث توجد قواعد معينة لابد أن يتبعها الباحث عندما يقتبس فكرة أو قولاً من مصدر من المصادر. هذه القواعد الحديثة لا يمكن أن تطبق على اقتباسات كتَّاب الأسفار المقدسة (بالأخص كتاب العهد الجديد) من أسفار العهد القديم. فالاقتباس كان من الذاكرة وفي أغلب الظن كان من الترجمة السبعينية المتوافرة في ذلك الوقت. والأرقام والأسماء كانت لها رموز معينة لابدأن نفهمها عند دراستنا لكلمة الرب. فمثلا لقب "ابن" يشير ليس فقط إلى الإبن المولود من والدين لكنه أيضاً يستخدم ليشير إلى النسل كله.

  3. تأكيدات الكتاب المقدس وإعلاناته صادقة وحق عندما ننظر اليها من خلال الهدف والغرض من أجل الكتابة. فمثلاً لنفرض أن الكتاب المقدس يتحدث عن حرب راح ضحيتها 9467 شخصأ فما هو التسجيل الصحيح لعدد هولاء الضحايا؟ هل هو 9000 أم 9500 أم 10000. الإجابة على هذا السؤال تتوقف على الغرض أو الهدف من الكتابة. فمثلاً إذا كان الهدف هو تقديم تقرير مفصل يقدمه قائد الجيش إلى وزير الدفاع أو الملك فالرقم سيكون بالضبط هو 9467. لكن إذا كان هدف الكاتب هو تقديم فكرة عامة عن حجم الحرب للقارئ العادي فالرقم 10000 يعتبر أيضاً صحيحاً. إذا كان دخل الفرد الشهري مثلاً هو 5221 جنيه مصري فاذا سأله احدُ عن مرتبه فسيقول إن مرتبي 5000 جنيه لكن إذا سألته هيئة الضرائب عن دخله فلابد أن يقول المبلغ بالظبط. وفي الحالتين تعتبر الإجابة صحيحة. وهناك اختلاف آخر نجده في الأناجيل. ففى إنجيل لوقا يقول "المجد في الأعالي" بينما في متى ومرقس نجد عبارة "أوصنا في الأعالي" إن سر هذا الاختلاف يكمن في اختلاف المرسل إليهم الإنجيل فكلمة أوصنا كلمة عبرية يصعب على الأمم الذين كتب لهم لوقا البشير انجيله فهمها، لذلك قام بترجمتها إلى كلمة "المجد"

  4. التسجيل للأحداث التاريخية والعلمية يعتبر أيضاً ظاهرة مميزة وليست لغة تكنيكية. وهذا شائع في أيامنا هذه حتى بين العلماء. فمثلاً خبراء الأرصاد الجوية يقولون إن الشمش ستشرق غداً الساعة 30: 6. هذا القول بالتأكيد غير علمي على الإطلاق لأن الشمس لا تشرق لكن الأرض هى التى تدور حول الشمس. ولكن لأن التعبير شروق الشمس وغروب الشمس تعبيرُ شائع في لغتنا اليومية حتى أن العالم المتخصص يستخدمه لأنه أصبح مصطلحاً عاماً وشائعاً. إن كتّاب الأسفار المقدسة لم يكونوا علماء ولم يحاولوا أن يكونوا علماء يقدمون نظريات علمية مختلفة عن نشأة الكون، لكنهم كانوا مسجليين لأحداث حدثت بالفعل أمامهم (كنزول نار من السماء على سدوم وعمورة وعبور البحر الاحمر ونهر الاردن وسقوط أسوار اريحا...الخ) إعلانات أعلنها الرب لهم.

    والصعوبات الكتابية نجد لها إجابات كل يوم يمر مع التقدم في المعرفة والاكتشافات الحديثة. فمثلا كانت تفاصيل موت يهوذا الاسخريوطي ولزمن طويل مجال حوار وخلاف بين العلماء وذلك لان متى 27: 5 يقول إن يهوذا مات مخنوقاً "ثم مضى وخنق نفسه" بينما في أعمال الرسل نقرأ أن يهوذا "سقط على وجهه وانشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها" (أعمال 1: 18) إن الكلمة اليونانية المستخدمة في أعمال 1: 18 والتى ترجمت "سقط على وجهه" كانت سببأ في صعوبة فهم ما حدث ليهوذا. لكن الدراسات الحديثة للمخطوطات المختلفة اكتشفت ان لهذه الكلمة معنى اّخر في اللغة اليونانية وهو "ورم أو انتفاخ" هذا المعنى ساعدنا على فهم ما قد حدث ليهوذا بالظبط. فيهوذا بعدما خنق نفسه ولأنه لم يُكتشف بسرعه بدأت اعضاؤه تتحلل وتتفسخ مسببة ورماً في البطن نتج عنه فتحها وخروج أحشائها منها.

  5. العصمة تسمح بأختلاف الاسلوب. يعتبر جمال الأسلوب فى بعض الديانات الأخرى شرطاً للعصمة لكن ليس هكذا الحال مع الكتاب المقدس، فمع أن الكتاب المقدس رائع فى الأسلوب والصياغة إلا أنه لم يكتب من أجل الأسلوب بل كتب بالأحرى لفائدة القارئ. لهذا يقول الرسول بولس للمؤمنين " لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية 15: 4). إن ما يميز الكتاب المقدس عن أى كتاب آخر هو التنوع فى الأسلوب. فإذا نظرنا مثلاً إلى أسلوب سفر مراثى إرميا النبي لوجدنا أسلوباً يبهر القارئ فالسفر يتكون من خمس قصائد شعرية حزينة فالأصحاح الأول يتكوَّن من اثنين وعشرين أية كل أية تبدأ بحرف من الحروف الأبجدية العبرية بمعنى أن الآية الأولى تبدا بحرف ( أ ) والثانية تبدأ بحرف (ب) وهكذا إلى نهاية الاصحاح، كما أن الاصحاحين الثانى والرابع يشبهان الأصاح الأول فى الأسلوب، أما الاصحاح الثالث فيتكون من 66 عدداً كل ثلاثة أعداد تبدأ بحرف من حروف الأبجدية العبرية. هذا الأسلوب الشعري المرتبط بالوزن والقافية يشابه الأسلوب الذي كُتب به مزمور 119 والذي يتكون من اثنين وعشرين جزءأ كل جزء يتكون من 8 اّيات وكل ثمانية فيه تبدأ بحرف من حروف الابجدية العبرية، بمعنى أن الثمانية الأولى تبدأ بحرف ألف وكل أية من الثمانى أيات تبدأ بحرف الألف والثمانية الثانية تبدأ بحرف الباء وكل أية فيها تبدأ بحرف الباء، وهكذا إلى اّخر حرف. طبعاً هذا الجمال الأصلي في أسلوب الكتابة باللغة الأصلية يستحيل أن يظهر في الترجمات المختلفة لأنه من الصعب متابعة هذا الوزن العبري في أي لغة أخرى. هذا الأسلوب الشعري المميز ليس هو الأسلوب السائد في الكتاب المقدس بل هناك تنوع في كل سفر من أسفار الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس ملئ بالتنوع والتميز مما يضفي على الأسلوب غنى وفخامة ويجعله قريباً إلى القلب. هذا التنوع سببه أن الله استخدم اناساً مختلفين فداود الملك كان شاعراً فكتب بالشعر، وسليمان كان حكيماً فتحدث بالأمثال، ومتى كان عشارأ (جامع ضرائب وخبير حسابات) فاختلف أسلوبه في الكتابة عن أسلوب لوقا الطبيب. كما أن أسلوب بولس الرسول يظهر عمقه الفكرى والفلسفي. لكن اختلاف الأسلوب ليس معناه وجود اختلاف وتناقض بل بالعكس نجد أن الروح القدس الذى هو المصدر الأساسي للكتاب المقدس استخدم أكثر من 40 كاتباً بشرياً على مدار حوإلى 1500 سنة والعجيب هو أنه مع الرغم من أن كل كاتب كتب بأسلوبه، إلا أن الكُتّاب جميعاً لم يتناقضوا في الحق الذي أعلنوه ولا اختلفوا على أمر ما.

  6. ) العصمة تسمح بان يُكتب حدث ما باكثر من طريقة. يقول البعض إن الكتاب المقدس ترد فيه بعض الوقائع والاحداث التى يتكرر ذكرها ما بين سفر وأخر وفى بعض الأحيان نجد اختلافاً فى عرض الرواية بين كاتب وكاتب. طبعاً هذا ليس دليلاً على التناقض والتعارض حتى ولو كانت هناك فروق بين الروايتين فقد أثبت علم الأثار أن هذا الأسلوب من الكتابة كان مألوفاً فى تلك العصور، فعلى سبيل المثال اكتشف العلماء نسخاً متعددة للسجلات السنوية للملك سنحاريب ملك أشور ومع أنها كانت تتعرض للواقعة الواحدة، إلا أنها كانت توردها فى اختلاف يسير بين النسخة والأخرى. يقول يونج "لا يمكن أن يقول أحد إن العصمة تتطلب بالضرورة عرض الرواية بنفس الصورة الأولى، ما دام من الثابت أن الحق الوارد فيها فى شتى الصور هو هو لا يتغير."33 هذا طبعاً يجيب على أسئلة كثيرة مرتبطة بسفري الملوك وسفري أخبار الايام. كذلك فإن اختلاف هدف الكتابة يتطلب كتابة الواقعة الواحدة بأكثر من أسلوب مع عدم تغير الحق الوارد فيها. فالاختلاف لا يعني أبداً التعارض والتناقض. وهذه الظاهرة واضحة جداً فى الأناجيل الأربعة التى تتناول حياة السيد المسيح وخدمته على الأرض. لكن من المهم لفهم هذا الاختلاف أن ندرك حقيقتين:

    الأولى: أن كتَّاب الأناجيل ترجموا كلام يسوع من اللغه الآرامية والعبرية (اللغة التى تحدث بها المسيح واليهود فى زمانه) إلى اللغة اليونانية (اللغة التي كتبوا بها الأناجيل وهى لغة العالم فى ذلك الزمان) وكما نعرف فعند الترجمه يمكن للكلمة الواحدة ان تحمل أكثر من معنى. فعلى سبيل المثال اذا أردنا أن نترجم الكلمه الانجليزية "Darken" نجد ان لهذه الكلمه في اللغه العربيه معانٍ كثيرة منها "يعتم"، "يُحزن"، "يوقع الكاّبة فى نفسه" "يصبح غامضأ"، أو "يكتئب أو يكفر"، إن وجود أكثر من معنى لنفس الكلمة أمر وارد فى كل الترجمات.

    ثانياً: إن اختلاف التفاصيل يمكن أن يحدث اذا اختلفت الفئة التى يُكتب لها. فمثلاً من المعروف أن متى كتب إنجيله لليهود حتى يؤمنوا أن يسوع المسيح هو المسيا المنتظر، في حين أن يوحنا كتب بشارته حتى يُظهر للعالم أن يسوع المسيح هو الله الذي ظهر فى الجسد (ابن الله) من هذا المنطلق اختار كل واحد منهم أحداثاً معينة من حياة المسيح تخدم الغرض من الكتابة. لكن الشئ المشترك فى كل ما كتبوا هو أن كل ما كتبوه كان حقاً وسرداً حقيقياً لما حدث في حياة السيد المسيح. حتى نحن في حياتنا اليوميه نفعل نفس الشئ فمثلاً: اذا شاهد ثلاثة أشخاص حادث سيارة في الطريق العام وكان كل واحد منهم مختلفاً فى طبيعة عمله عن الاّخر، فالأول طبيب والثاني صحفي والثالث رجل بوليس وأراد كل واحد منهم أن يكتب تقريراً عن الحادث ستكون النتيجه أن كل واحد منهم يركز على نواحى اختصاصه، نعم أن كل ما سيكتبونه صحيح، لكن الاختلاف نتج من طبيعة عمل كل واحد وكذلك الجهة التى يكتب لها التقرير والهدف منه. فالطبيب سيركز على الأصابات والجروح والمساعدة الطبية التي احتاجها المصاب وكذلك المضاعفات، أما الصحفي فهو يريد أن يوصل هذا الخبر ويحاول أن يجعل القارئ يتخيله وهو يقرأ الخبر، أما رجل البوليس فسيقوم بتحرير تقرير مفصل عن الحادث ومن هو المخطئ وأسباب الحادث وهل كان الحادث عمداً أم لا؟، وهل كان السائق تحت تأثير المخدرات والكحول أم أنه كان فى كامل قواه العقلية...الخ.

  7. العصمة تسمح باقتباس غير لفظى. في العصور القديمة لم يكن اقتباس نص أو آيه نقلاً لفظياً مطابقا كلياً للنص الأصلي لفظاً وحرفاً وذلك لسببين:

    أولاً: كان على كتَّاب العهد الجديد أن يقوموا بترجمة النص العبري أو الآرامي إلى اللغه اليونانيه.

    ثانياً: كان الاقتباس من العهد القديم أمراً صعباً لأن المخطوطات القديمة لم تكن متاحة لكل شخص وحتى لو أمكن للكاتب أن يحصل على نسخة من المخطوطات فالبحث عن اّية كان أمراً متعباً ومرهقاً جداً لأن المخطوطات كانت بدون تقسيم لاصحاحات واّيات34.

  8. ) العصمه تتطلب أن يكون النص بدون أخطاء. في متى 8: 5-14 نجد أنه عندما جاء رئيس المئه ليسوع قال له "أنا لست مستحقاً..." لكن في النص الموازى له في لوقا 7: 1-10 نجد أن الشيوخ هم الذين جاءوا ليسوع وقالوا له "انه مستحق" فاين الصحيح فى كل هذا؟ إن نظرة سريعة للنصين تجعلنا ندرك أن الشيوج جاءوا أولاً إلى المسيح وتحدثوا معه عن رئيس المئه وعن أنه مستحق، ثم بعد ذلك جاء قائد المئه بنفسه وقال للسيد "أنا لست مستحقاً" وبهذا لا يكون هناك تناقض أو اخطاء في النصين.


32 Millard J. Erickson, Introducing Christian Doctrines, (Grand Rapids: Baker, 1993), 62.
33Young, Thy Word is Truth, 122.
34William R. Richhorst, The Issue of Biblical Inerrancy: In Diffinition and Defence (Mas: Winnipeg Bible College), n.d., 9.

العصمة المحدودة والعصمة الكاملة 

  1. العصمة الكاملة: ان الكتاب المقدس بكل ما يحتويه من أمور (روحية وتاريخية وعلمية) حق. ومع أن الكتاب المقدس في جوهره ليس كتاباً علمياً او تاريخياً لكن كل ما تقوله الأسفار المقدسه من تاريخ وعلم هو حق وصحيح ولا يعتريه أى خطأ.
  2. العصمة المحدودة: إن رافضي الايمان بعصمة الكتاب يقولون إنهم يؤمنون بالوحي لكن نقط الخلاف هى: إلى أي مدي يشمل الوحي الكتاب المقدس؟ هل يشمله كله ام جزءاً منه؟ إنهم يقولون إن الكتاب المقدس له سلطان ومعصوم فقط في ما يتعلق بما هو ضرورى للإيمان والأعمال لكن، فيما يتعلق بالأمور التاريخيه والعلمية وكذلك الأنساب فهى غير صحيحة ولكنها تعكس الفهم الذي كان سائداً في ذلك الوقت والزمن الذي كتبت فيه. عندما نسأل هولاء الذين يطعنون في العصمة عن السبب فإننا لا نسمع إلا اسباباً واهية وغير منطقية، وفي أساسها هى رفض لكل ما هو فوق الطبيعي. قال يسوع المسيح للفريسيين غير المؤمنين به "فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك (موسى) فكيف تصدقون كلامي" (يوحنا 5: 47). إن كل رفض لعصمة الأسفار المقدسة هو نابع من النظرة الشخصية غير الموضوعية، والاقتناع أننا الحَكمَ على كلمة الرب، فبدلا من إطاعة كلمة الرب "مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2 كورنثوس 10: 5) فإننا نرفض تعليم المسيح عن كلمة الرب.

    والسؤال الأول الذي يطرح نفسه هو ما هو تعريف الأمور الضرورية للخلاص. ومن الذي يحدد، بل من يفصل بين ما هو ضروري للخلاص وما هو غير ضروري. هل هذه مسئولية فردية أم مسئولية جماعية كنسية؟ وما هو محتوي "الضروري للخلاص" هل هو رسالة موجهة لغير المؤمنين أم يشمل المؤمنين أيضاً؟ إذا كان رسالة لغير المؤمنين تهدف إلى تقديم رسالة الخلاص لهم، فبهذا يكون العهد الجديد غير ضروري للخلاص لأنه كتب أولا للمؤمنين بالمسيح لكي يحثهم على الاسمترار في الإيمان ومواجهة الظروف الصعبة من اضطهاد وغيره من أمور أخرى. هل يمكن أن نقول إن كل العهد الجديد غير ضروري للخلاص أم أجزاء منه؟ أم أن معنى "ضروري للخلاص" هى أشمل من مجرد تقديم رسالة الخلاص، فهو يمتد ليشمل علاقة المؤمن بالرب يسوع، وبهذا يكون معنى "الضروري للخلاص" ما يأتي:

    1. كل ما هو ضروري ليعضد علاقة المؤمن بالرب يسوع.

    2. كل ما يجعنا نعيش الحياة المسيحية الحقة ويتعلق بعلاقتنا بالآخرين.

    3. كل ما هو أخلاقي ويؤثر على سلوكياتنا وتوجهاتنا.

    هل يمكن ان يكون "كل ما هو ضروري للخلاص" يعني كل ما تعلمه كلمة الله لنا وسجله لنا الوحي المقدس على صفحات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. وبهذا يكون الكتاب المقدس كله معصوماً. إن أول مشكلة تواجه اصحاب نظرية العصمة المحدودة هي في التعريف للعصمة المحدودة وأبعادها.

    35ثانياً: أي قارئ لكلمة الله يدرك أنه عندما يتحدث الله مع شخص فهو يتحدث في قرينة لأشياء أو أقوال قالها او عملها من قبل، فلا يتكلم أحد منا بدون أن تكون هناك قرينة لكلامه. فكلامنا قد يكون شرحاً لأمور او رداً على أشياء أو أشخاص أو تكون رد فعل لأحداث تمت أو سوف تتم...الخ. لهذا علمنا اساتذتنا في علم التفسير أنه إذا أردنا أن نفهم النص الكتابي فهما صحيحاً فلا بد أن نعطي أهمية شديدة للقرينة التاريخية واللغوية للنص الكتابي، لا بد أن نسأل بعض الأسئلة بخصوص اللغة وقواعدها، والكاتب وظروف الكتابة، والمرسل اليهم وظروفهم في ذلك الوقت...الخ إن المفسر المدقق والأمين في نفس الوقت يقترب إلى النص مستخدما الأساليب والأدوات اللازمة لفهمه الفهم الصحيح وكل هذا لكي يسد الهوة الزمنية بين الزمن الذي كتب فيه النص الكتابي والزمن الحالى الذي يعيش فيه المفسر. قد يتطلب أيضاً من المفسر أن يبحث في علم الاّثار والحفريات للإجابة عن أسئلة صعبة فى فهم النص الكتابي. كما قلنا إن لكل نص ظروفه ووقته ومكان ميلاده، ولهذا فمن المستحيل أن نفصل بين ما هو تاريخي وما هو خلاصي. فالخلاصى وصل إلينا في التاريخ. فمثلاً: هل يمكن أن نفصل بين ميلاد المسيح والتاريخ؟ أو هل يمكننا ان نفصل بين صَلِبه والتاريخ؟. هل يمكن أن نقول نعم إن المسيح هو المسيا الذي جاء لفداء البشر وننكر مثلا قصة الميلاد العذراوي؟ هل يمكن ان ننكر تاريخية هيرودس ونحن نتحدث عن الميلاد؟ أم هل يمكن ان ننكر تاريخية بيلاطس ونحن نتحدث عن صلب المسيح وقيامته؟. إن الاختلاف الجوهري بين الفكر الحديث وإعلان الله كما يوضحه أ. ج. يونج هو أن الفكر الحديث "يركز في حقيقة الأمر على أساس فلسفي، معادٍ في حقيقته لما هو "خارق للطبيعة" و " للإعلان المسيحي" بل ربما لا تعدو الحقيقة، اذا قلنا إنه لا مكان عنده لله، الإله القوى القادر على كل شئ خالق السموات والأرض، وقد استبدله بإله أخر يرتبط بالإنسان في الأرض، وعند التحليل الدقيق أخر الآمر، هو إله يقيده الإنسان ويحده بين يديه، وما أبعد هذا عن العقيدة الصحيحة في كلمة الله."

    باختصار إن القول ان الكتاب المقدس حق فقط فيما يعلّمه عن الخلاص لكن ليس حقاً فيما يقدمه من معلومات تاريخية وعلمية هو قول غير صحيح للأسباب الآتية:

    1. ) تفسيرياً: كما ذكرنا من قبل أنه لا يمككنا الفصل بين التاريخ والخلاص. فالرب يسوع المسيح قد ولد في مدينة بيت لحم فى أيام هيرودس الملك واغسطس قيصر وعندما كان كيرينيوس وإلى سوريه (متى 2، لوقا 2). إن قصة ميلاد المسيح مرتبطة بأماكن معينة وزمان محدد وأشخاص معينين، ولهذا فأي محاولة لفصل الحياة والتقوى أو العقيدة والسلوك عن الحقائق التاريخية هو تعدٍ على النص الكتابى. ومن الناحية الكتابية فإن إنكار الحقائق التاريخية يؤدي إلى تدمير مصداقية أي تعليم وحق روحي في الأسفار المقدسة. فلا توجد قيامة بدون القبر الفارغ كما لا يوجد صليب بدون قيافا ويهوذا. إنه من الواضح لأي دارس للكتاب المقدس أن كل الحقائق الكتابية مرتبطة بطريق مباشر أو غير مباشر بمكان وزمان وأشخاص محددين.. أن الحقائق التاريخية والجغرافية والعلمية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحقائق الإيمانية الروحية. فهى كخيوط النسيج المتشابكة في بعضها وأى فصل بينها يؤدي إلى فك كل النسيج. فمثلاً: تاريخ اّدم وحواء مهم جداً، فالرسول بولس يبني على هذا التاريخ مقارنة مهمة بين آدم وبين الرب يسوع. هذه المقارنة تصبح بلا قيمة اذا كان تاريخ اّدم وحواء خطأ. مثلاً آخر وهو نسب الرب يسوع المسيح إن رفض نسب المسيح والقول بأنه خطأ يجعلنا نشك في حقيقة من هو المسيح وهل هو فعلاً المسيا ابن داود المنتظر أم لا؟ خلاصة القول إنه إذا سقطت عصمة الكتاب سقطت بعد ذلك كل العقائد المسيحية واحدة تلو الأخرى وهنا تكمن الخطورة.

    2. ) لاهوتياً: أذا رفضنا شهادة يسوع عن تاريخية يونان عندما قال "كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليإلى" فكيف يمكننا أن نصدق كلامه "قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن" (يوحنا 8: 58) أو "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يوحنا 16: 6) إن الأمور التاريخية والروحية لا يمكن أن نفصلها عن بعضها. أذا لم نصدق الأمور التاريخية في الكتاب المقدس فكيف يمككنا ان نصدق الامور الروحية. تخيل انك تقرأ نصاً كتابياً، قصة الخروج مثلاً فتقول إن الأمور التاريخية في هذه القصة غير صحيحه أما الأمور الروحية فهى حق. دعني اسألك سؤالاً بسيطاً اذا رفضت جزءاً من النص على أنه غير صحيح فعلى أي أساس تقبل الأمور الأخرى على أنها حق. ما هو الضامن على أنها حق إذا كان مصدرها واحداً. إن عدم مصاقية معلومة واحدة سواء كانت تاريخية او علمية يفقد كل النص الكتابي مصداقيته.

أهمية عصمة الكتاب المقدس 

قال لى يوما واحدُ من الزملاء ليس عيباً أو خطراً أن نقول إن الكتاب المقدس يتضمن أخطاء ثم ألتفت إليَّ وقال، "فيها ايه لو قلنا إن العصمة تشمل فقط ما هو ضرورى للإيمان والأعمال؟" هل فعلاً الأمر بهذه البساطه؟ لا أظن أن زميلي هذا فكّرَ فى المخاطر التي تتبع هذا القول. هل فكر فى تبعيات هذا الفكر على الإيمان المسيحي؟ هل فكر كيف سيؤثر هذا الفكر على رسالة الإنجيل، رسالة الخلاص؟ هل فكر فى تأثيرهذا الفكرعلى إيماننا بالله وصفاته ومصداقية إيماننا فى شخص المسيح ولاهوته؟ إن فكرنا عن الكتاب المقدس يتحكم فى كيفية تفسيره وطريقة الوعظ به. لهذا أريد أن أوضّح عن لماذا تعتبر العصمة مهمة؟

أولا: أهمية لاهوتية: 36الرب يسوع ومن بعده تلاميذه بطرس وبولس وغيرهم اعتبروا أن التفاصيل المذكورة في كلمة الله لها سلطان كما أنهم أعتبروا أن الكتاب المقدس هو كلمة الله التى أوحي بها من خلال أنبياءه ورسله، ولأن الله صادق وحق "منزه عن الكذب" (تيطس 1: 2) فلن يوصل لشعبه إلا ما هو حق وصدق. ولأن العصمة مرتبطة بالوحي الإلهي فأى شك وطعن في عصمة الكتاب المقدس هو شك وطعن في الإيمان بالوحي الالهي. بالإضافة إلى ذلك ترتبط أهمية العصمة بصفة المعرفة الكلية لله. صفة من صفات الله التي تميزه عن البشر هي معرفته الكاملة والتي يمكن أن نعرّفها على أنها "ليست فقط أن الله يعرف كل شئ بل معرفته معرفة كاملة ومطلقة لكل الأشياء." يقول جرودم إن المعرفة الكلية لله هي "أن الله يعرف نفسه معرفة كلية ويعرف كل الاشياء معرفة حقيقية وممكنة منذ الأزل." هل فكرنا ماذا يعني في أبعاد الإدعاء بأن الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله حافل بالأخطاء؟ هل الله الذي هو كلىّ المعرفة والقدرة غير قادر أن يعطي كلمة خالية من كل خطأ؟ يقول أدوارد يونج "إن هذا الأمر ليس بالكريم البتة اذ ينسب إلى الله، بل هو فج ومعيب، ومن الصعوبة بمكان إجلال أي إله يكون على هذه الصورة، بل كيف نعبد ونثق بمن يعجز عن أن يعطي كلمة موثوق بها للجنس البشرى،... إن هذا الأمر يدخلنا في الواقع إلى لب الموضوع، لأنه اذا كانت الكلمة الإلهية التي ترجع إلى نفخة الله، لا تخلو من الخطأ، فإن النتيجة اللاحقة لذلك بداهة، أنه هونفسه لا يخلو من الخطأ"

إن هذا الإله ليس هو إله الكتاب المقدس، قد يكون الإله الذي يعرفه ويتعبد له اللاهوتيون المعاصرون لكنه بكل تأكيد ليس الإله الحقيقي خالق السماء والأرض. يقول يونج، "إن الاّب السماوي الذي يستطيع الإنسان أن يحد قدرته وسلطانه وإعلان كلمته، ليس في أفضل الحالات إلا كائناً محدوداً نظيرنا، قد يكون أكثر قدرة، غير أن هذا الفرض فى حد ذاته ما يزال موضع التساؤل،... واذا كنا نملك كبشر تشويه الإعلان بأخطائنا... فإن الإله الذي يمكن أن يحد بخلائقه، هذا الإله، لا يمكن أن يكون إلهاً على الاطلاق." واذا أمكن أن نتصور أن كلمة الله التي هى أنفاس الله تحتوى على أخطاء، فهذا يعني أن الله يخطئ، وحاشا لله أن يخطئ. يقول يونج "إن أي تهاون في قبول أن الكتاب المقدس معصوم لا يضع الكتاب المقدس وحده في خطر، بل أكثر من ذلك يضع الله ذاته وكرامته وصدقه ومجده في أدق المواضع،... إن تصور أن النص الأصلي لكلمة الله خاطئ وغير معصوم يعني أن الكلمة التي خرجت من فم الله ليست كاملة، وأن إله الحق نفسه مدان بالذنب، وإذا كانت كلمة الله باطلة، وهو مدان بالبعد عن الحق، فإنه يُبنىَ على ذلك النتيجة التي لا مهرب منها، وهي أن الديانة المسيحية ديانة باطلة،... ومن ثم فإن الممسكين بالعقيدة الكتابية السليمة في الوحي، يعتبرون من أهم الامور عدم التزحزح قيد أنمله عن اليقين بسلامة النص الأصلي وبعده الكامل عن أى خطأ أو تحريف"38

ثانيا: أهمية تاريخية: أمنت وتمسكت كنيسة المسيح عبر العصور والأزمنة بعصمة الأسفار المقدسة بل إن الكتاب المقدس كان ومازال المصدر الوحيد لإيمان الكنيسة وأساس عقيدتها. والشك في عصمة الكتاب هو شك في العقيدة المسيحية التى اّمنت ونادت بها الكنيسة عبر العصور بل دافعت عنها أمام الملوك والهراطقة والامبراطوريات لدرجة أن كثيرين استشهدوا لأنهم تمسكوا ونادوا بها.

ثالثاً: أهمية مرتبطة بالمعرفة: والسؤال الفلسفي المرتبط بالمعرفة هو "كيف لنا أن نعرف؟" فبما أن المعرفة المسيحية والحق الذي نتمسك به هو مبني على الكتاب المقدس وتعاليمه فلا بد أن يكون الكتاب المقدس معصوماً لأن المعرفة التى تبنى على غير الحق تصبح غير حق والمعرفة التى تبنى على خطأ تعتبر خطاً. فإذا قلنا إن الكتاب المقدس غير معصوم تكون أيضاً عقائدنا المسيحية التي بنيت على الكتاب المقدس هشة لأنها بنيت على أساس هش وغير صحيح، وإذا قلنا أن التاريخ والأمور العلمية التي في كلمة الله غير معصومة بل فيها أخطاء فكيف لنا أن نضمن أن ما يقوله الكتاب المقدس بخصوص الخلاص حق وليس خطأ. فإذا كان المصدر لكلمة الله هو واحد "الروح القدس" فإما أن يكون كله صحيحاً وحقاً أو لا يكون. فمثلاً نسب الرب يسوع وميلاده العذراوي وحياته وموته وقيامته كلها أمور تاريخية لا يمكن أن تخرج خارج التاريخ. فإما أن يكون تاريخ المسيح صحيحاً وبذلك يكون المسيح ونسبه صحيحاً، وإما أن يكون التاريخ خطأ وبذلك يكون المسيح ونسبه وموته وقيامته خطأ.

رابعاً: العصمة ورسالة الخلاص (الانجيل)- إن الإنجيل هو الخبر السار ويتضمن حقيقة موت المسيح ودفنه وقيامته وصعوده (1كورنثوس 15:1-3)، ويقول الرسول بولس عن هذا الإنجيل أنه "قوة الله للخلاص" (رومية 1: 16)، ولهذا لا يستحى به. لكن كيف يمكن أن نقدم للعالم إنجيلاً موثوقاً به أذا كان قد وصل الينا في كتاب غير موثوق به فى أبسط الحقائق التى يتضمنها؟؟؟ بمعنى آخر اذا قلنا إن متى أو لوقا أخطئا فى سلسلة نسب المسيح فكيف نثق أن ما كتباه عن حياة وصلب وموت وقيامة المسيح حقيقى؟ إن أي طيار عاقل سيحاول الهبوط بطائرته اذا اكتشف أن هناك عطلاً بها وإلا لعرض حياته وحياة من معه لخطر الموت. فإذا كان الكتاب المقدس يتضمن أخطاء تاريخية فما هو الضامن لنا أنه صادق فى باقى الحقائق الإيمانية؟ يقول برين ادوارد "إن الرسالة المسيحية ممتدة بجذورها فى التاريخ...فالتجسد – الله الذى صار إنساناً قد ثبت بالميلاد العذراوى والفداء – الثمن الذى دُفع من أجل غفران خطايانا قد تم بموت المسيح على الصليب، والمصالحة – الامتياز الذى يحصل عليه الخاطئ بالإيمان قد مُنح للإنسان نتيجة قيامة المسيح وصعوده للسماء، فإذا كانت هذه الأحداث غير حقيقية فكيف يمكننا أن نؤمن أن اللاهوت الذى نستقيه منها حقيقى؟"39

خامساً: العصمة وإيماننا فى طبيعة المسيح – إن إيماننا بعصمة الكتاب من عدمه يتحكم بشكل مباشر وغير مباشر فى نظرتنا وثقتنا فى الابن يسوع المخلص، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون عندنا مخلص موضع ثقة إلا اذا كان عندنا كتاب موضع ثقة. إن معرفتنا عن شخص المسيح تأتي من الكتاب المقدس، فالأناجيل الأربعة (متى ومرقس و لوقا ويوحنا) تحكى لنا عن ميلاده وحياته وخدمته وأعماله وتعاليمه وموته وقيامته وصعوده. هذه المعرفة غير ممكنة خارج الكتاب المقدس. تخيلوا لو ان الأناجيل التى تتحدث عن حياة المسيح تحتوى على أخطاء أو كما يقول البعض ان يسوع الذى تتحدث عنه الاناجيل يختلف عن يسوع التاريخى ولهذا يفصلون بين مسيح الايمان (المسيح الذى اّمن به التلاميذ وكتبوا من منطلق إيمانهم به) ويسوع التاريخ وكأن هناك مسيحين وليس مسيحاً واحداً. إن الشك فى تاريخية أى حدث سجلته الأناجيل يجعل باقى الأحداث موضع تساؤل.

سادساً: العصمة وعلم التفسير- كيف نقترب للكتاب المقدس؟ هل نقترب اليه على أنه كلمة الله النقية والمعصومة ولهذا نخضع لها ونصدق ما فيها ونجعل سلطانها فوق اى سلطان؟، ام نقترب اليها على أنها تحتوى على أغلاط واخطاء ولهذا نُخضعها لذواتنا ونُنصب أنفسنا حكاماً وننظر إليها من العلاء. اتذكر هنا إجابة رجل الله جون وسلى عندما سئل ان كان حقاً يؤمن إن الحوت بلع يونان فقال "لو كان الكتاب المقدس قد قال أن يونان هو الذي بلع الحوت لكنت أيضاً أصدقه."


35Edward J. Young, Thy Word is Truth, 20.
36Ibid., 61.
37Ibid., 85.
38Ibid.,
39Brain Edwards, Nothing but the Truth: The Inspiration, Authority and History of the Bible Explained (New York: Evangelical Press, 2006), 129-30.

الفصل الرابع

قانونية الأسفار المقدسة 

قانونية الأسفار المقدسة ترتبط بتحديد أى من الاسفار موحي بها لتصبح جزءاً من الكتاب المقدس وأى من الأسفار غير موحي به فلا تضاف للكتاب المقدس. الكلمة κανων "قانون" فى اللغة اليونانية تعنى "العصا المستقيمة" التى تستخدم فى القياس ولهذا فمعنى كلمة "قانون" هو مقياس. ولأن عصا القياس تحتوى على علامات وإشارات لتحديد الطول فقد استخدمت لتشير إلى الأسفار المقدسة أو مجموعة الأسفار التى أدركها شعب الله وصارت ضمن الكتاب المقدس. الأسفار التى قبلت ككتب مقدسة سميت "أسفار قانونية." فالأسفار القانونية هى التى نستقى منها إيماننا وأعمالنا.

من المهم أن ندرك أن دور المجامع المقدسة كان فى إدراك وقبول ما هو موحي به من الله. فقبول الكنيسة للأسفار لم يجعلها موحي بها من الله بل لأنها موحي بها من الله أولاً قبلتها المجامع المقدسة والكنيسة. يقول جى أي بيكر إن دور شعب الله او الكنيسة شبيه بدور العالم إسحق نيوتن الذى اكتشف قانون الجاذبية الارضية هذا القانون الموجود منذ أن خلق الله الكون، فقد أعطانا الله الجاذبية عندما خلق الكون ولهذا فهى ليست من إختراع بشر، كذلك الأسفار المقدسة هى كلمة الله التى تكلم بها من خلال أنبياءه القديسين وقبول الكنيسة لها هو إدراك بأن الله هو مصدرها وأنها كلمة الله الموحي بها، فلأنها موحي بها قبلها وأدركها شعب الله. وكما أن الجاذبية الأرضية تشهد عن نفسها ووجودها كذلك فإن كلمة الله تشهد عن نفسها ووجودها فلا يجد الإنسان أمامه إلا إدراكها والإعتراف بها. هذه الحقيقة تؤكد أنه لا يوجد سلطان فوق سلطان الله نفسه، فكيف يمكن للكنيسة أن تحكم على سفر بأنه كلمة الله إن لم يكن هذا مبنياً على أساس سلطان الكلمة نفسها وشهادة السفر والروح القدس. يقول المصلح جون كالفن أن "أعظم خطأ هو الاقتناع الشائع بأن الأسفار المقدسة أصبح لها وزن وثقل لأن الكنيسة قبلتها وكأن كلمة الله الأبدية متوقفة على قرار البشر. " كما يقول اللاهوتي السويسرى لويس جوسين إن تطور قانونية أسفار الكتاب المقدس يمكن تخيله إذا تخيلنا أمراة تسير فى حديقة مليئة بالزهور مع صاحب هذه الحديقة، وإذ هما يسيران يقطف صاحب الحديقة زهرة ويقدمها للمرأة، ثم بعد فترة أخرى يقطف زهرة أخرى ويقدمها، فثالثة ورابعة وخامسة...الخ حتى يجتمع فى يدها باقة جميلة ومتكاملة من الزهور. هذا الباقة وجدت فى يدها فعلياً مع أول زهرة قُدمت لها. هكذا قانونية أسفار الكتاب المقدس، هى موجودة بين أيدي شعب الرب مع اللحظة الأولى التى قدم فيها الله أول سفر لشعبه، فالله أعطى شعبه ألأسفار المقدسة التى يريدها أن تكون ألأسفار القانونية.

قانونية العهد القديم 

بدأت قانونية العهد القديم مع موسى وكتابته للأسفار الخمسة الأولى او ما يطلق عليه أسم "التوراة،" هذا واضح فى سفر الخروج 24: 3-4 "فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ». فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ." أعتُبرت كتابات موسى أساساً للإيمان وأعمال شعب الله، فكانت تقرأ عليهم من وقت للآخر "فَعِنْدَمَا كَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إلى تَمَامِهَا، أَمَرَ مُوسَى اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: «خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ" (التثنية 31: 24-26). كما أوصى موسى عبده يشوع بأن "لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ" (يشوع 1: 8) ولهذا نقرأ أن يشوع فعل كل ما أمره به الرب "كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى عَبْدَهُ هكَذَا أَمَرَ مُوسَى يَشُوعَ، وَهكَذَا فَعَلَ يَشُوعُ. لَمْ يُهْمِلْ شَيْئًا مِنْ كُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ مُوسَى" (11: 15). كما أمر الرب أن كل ملك يجلس على كرسى المملكة يعطى نسخة من التوراة لتكون معه ليتعلم أن يتقى الرب ويحكم بحسب المكتوب فيها "وَعِنْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ، يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ، فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَهُ وَيَحْفَظَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهذِهِ الْفَرَائِضَ لِيَعْمَلَ بِهَا" (تثنية 17: 18-19). على أساس الطاعة للمكتوب توقف كل تاريخ ملوك اسرائيل ويهوذا كما توقف مصير شعب الرب كله (ملوك ألأول 2: 3، 3: 14، دانيال 9: 11، ملوك الثانى 17: 7-13، 21: 7-9، 23: 2-4). من بعد موسى ويشوع أقام الله أنبياء كثيرين كما قال الرب لموسى (تثنية 18: 15-22)، لقد أدرك شعب الرب أن الأنبياء الذين أتوا من بعد موسى كتبوا كلمة الله ولهذا يصُنف الكتاب العبرى أسفار يشوع وقضاة وصموئيل الأول والثانى وملوك الأول والثانى على أنها كتب أنبياء (ألأنبياء المتقدمين). وصف النبي أشعياء نبؤته على أنها "الشهادة" و "الشريعة" (8: 16) كذلك النبي أرميا الذى أوصى بأن تكتب كل نبؤاته فى كتاب (إرميا 36)، كذلك نقراْ عن النبي دانيال الذى كان صغيراً ومعاصراً لأرميا انه شهد على أن كلمات أرميا هى كلمات الرب نفسه " أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ الْكُتُبِ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إلى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ... وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأنبياء الَّذِينَ بِاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ...وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَعَدَّى عَلَى شَرِيعَتِكَ، وَحَادُوا لِئَلاَّ يَسْمَعُوا صَوْتَكَ، فَسَكَبْتَ عَلَيْنَا اللَّعْنَةَ وَالْحَلْفَ الْمَكْتُوبَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، لأَنَّنَا أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ" (دانيال 9: 2، 6، 11). لقد شمل الوحي كتابات الأنبياء الكبار وكذلك الصغار حتى نبوءة ملاخى التى من بعدها توقف الوحي، هذه الفترة يطلق عليها سنوات الصمت والتي أمتدت لأربع قرون حتى ظهور الملاك لزكريا الكاهن أبو يوحنا المعمدان.

ينقسم العهد القديم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: التوراة و ألأنبياء والكتب. أتبعت الترجمة السبعينية LXX ومن بعدها الترجمات الأخرى ترتيباً يركز على الموضوع، مختلفاً إلى حد ما عن ترتيب الأسفار فى النسخة العبرية المازورية MT . فالعهد القديم الذى بين أيدينا ينقسم إلى الآتى:

  1. التوراة – وهى تشمل الخمس كتب التى كتبها موسى (تكوين، خروج، لاويين، عدد، تثنية)

  2. الأسفار التاريخية – 12 سفراً وتضم كلاً من (يشوع، قضاة، راعوث، صموئيل الأول والثانى، ملوك ألأول والثانى، أخبار الأيام الأول والثانى، عزرا، نحميا، إستير).

  3. الأسفار الشعرية - 5 أسفار (أيوب، المزامير، أمثال، الجامعة، نشيد الانشاد )

  4. الأنبياء – ألأنبياء الكبار (إشعياء، إرميا، مراثى إرميا، حزقيال، دانيال ) الأنبياء الصغار (هوشع، عاموس، ميخا، يوئيل، عوببديا، يونان، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجى، زكريا، ملاخى).

    هذا الترتيب كما ذكرنا يختلف فى النسخة العبرية المازورية، كما أن عدد الأسفار هو 24 سفراً وليس 39 وذلك لأن النسخة العبرية تعتبر صموئيل الأول والثانى سفراً واحداً وكذلك ملوك الأول والثانى سفراً واحداً وأخبار الأيام الأول والثانى سفراً واحداً، بالأضافة إلى ذلك الأنبياء الصغار الاثني عشر يعتبرون سفراً واحداً وبهذا يكون مجموع الاسفار 24 سفراً بدلاً من 39. كما تتبع النسخة المازورية MT الترتيب التالي للأسفار:

    1. التوراة (أسفار موسى الخمسة)

    2. الأنبياء - الأنبياء الأولون (يشوع، قضاة، صموئيل الأول والثاني (سفراً واحداً)، ملوك الأول والثانى (سفراً واحداً)، أخبار الأيام الأول والثانى (سفراً واحداً). الأنبياء المتآخرون (أشعياء، أرميا، حزقيال ) والأنبياء الصغار (هوشع، عاموس، ميخا، يوئيل، عوبديا، يونان، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا، ملاخى).

    3. الكتب وهى تشمل الأسفار الشعرية (أيوب، مزامير، أمثال) وكذلك ما يطلق عليهم اسم الميجيلوت Megilloth (نشيد الأنشاد، راعوث، مراثى أرميا، الجامعة، واستير) ثم يأتي في الأخر الأسفار التاريخية (دانيال، عزرا، نحميا، وأخبار الأيام).

شهد الرب يسوع أكثر من مرة بقانونية جميع أسفار العهد القديم. ففى حديثه مع تلميذى عمواس قال لَهُمَا:«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأنبياء! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إلى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأنبياء يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لوقا 24: 26-27). كما تحدث أيضاً مع تلاميذه فى العلية قائلاً " أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأنبياء وَالْمَزَامِيرِ» (لوقا 24: 44). وفى هذا نرى الأقسام الثلاثة الرئيسية للعهد القديم: الناموس والأنبياء والكتب (التي يدعوها هنا "المزامير" وذلك لأن سفر المزامير هو أول وأطول سفر فى هذا القسم). وفى متى 23: 35 وبعد أن ذكر الرب يسوع سلسلة من الويلات للكتبة والفريسين قال لهم "لكى يأتى عليكم كل دم زكى سُفك على الآرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح." هابيل هو الشهيد الأول (تكوين 4: 8) وزكريا بن برخيا رُجم فى الهيكل وقد ذكرت قصته فى سفر أخبار الأيام الثانى 24: 21. وكما نعلم فإن أسفار العهد القديم فى النص العبري تبدأ بسفر التكوين وتنتهى بسفر أخبار الأيام الثانى وهنا كأن الرب يسوع يقول من أول سفر إلى أخر سفر أى من التكوين لملاخى (بالنسبة للترتيب الذى بين أيدينا فى الترجمة العربية والترجمات الأخرى).

كما شهدَ المؤرخ يوسيفوس فى نهاية القرن الأول الميلادى أن عدد أسفار العهد القديم هى 22 والسبب فى ذلك هو أنه اعتبر سفري القضاة وراعوث سفراً واحداً وذلك لأن سفر راعوث تاريخياً يعود إلى زمن القضاة وكذلك اعتبر سفري إرميا ومراثى إرميا سفراً واحداً. أغلب الظن أن سفري راعوث ومراثى إرميا انفصلا عن القضاة وإرميا لأنهما حُسبا بحسب التقليد اليهودى مع أسفار الجامعة و إستير ونشيد الأنشاد فى الأعياد اليهودية ولهذا لقبت بالميجيلوت Megilloth. فسفر نشيد الأنشاد كان يُقرأ فى عيد الفصح (فى الشهر الأول)، وسفر راعوث فى عيد الخمسين (فى الشهر الثالث)، وسفر مراثى إرميا فى Tishe'ah be'ab التاسع مع أب (الشهر الخامس)، وسفر الجامعة يُقرأ فى عيد المظال (الشهر السابع)، وسفر إستير فى عيد الفوريم (الشهر الثاني عشر).

بقيت كلمة أخيرة مرتبطة بقانونية أسفار العهد القديم وهي أنه بالرغم من أن قانونية أسفار العهد القديم قد انتهى الحديث فيها وخُتمت منذ عدة قرون قبل الميلاد إلا أنه كان هناك حديث ونقاش محدود جداً بين علماء اليهود بخصوص سفري الجامعة وإستير. مع العلم أن هذين السفرين كانا ضمن الأسفار القانونية للعهد القديم إلا أن النقاش بخصوصهما لم ينته إلا فى مجمع جامنيا سنة 90 م، ولهذا يطلق العلماء عليهما اسم Antilegomena أي"الاسفار التى اعترضَ عليها". هذه الاعتراضات كانت بحسب علماء اليهود أعتراضات بسيطة جداً وناتجة عن سوء فهم من البعض للرسالة الاساسية لسفرى الجامعة و إستير. فبالنسبة لسفر أستير كان الاعتراض هو أن اسم الله لم يذكر فى السفر على الاطلاق، مع أن هذا القول صحيح إلا ان الشخصية الاساسية فى كل سفر أستير هى شخصية الله وعمل العناية الالهية، فالله هو الشخص الذى تتحكم فى كل الامور من وراء الستار. أما بخصوص سفر الجامعة فكانت الإعتراضات أن السفر لا يذكر وجود حياة بعد الموت كما أنه يحمل بصمة تشاؤمية عن كل شئ. طبعاً هذه الاعتراضات ليس لها أساس من الصحة فدراسة السفر بتدقيق وفهم الأسلوب المميز الذى يستخدمه الكاتب فى توصيل الحق يؤكد أن قصد الكاتب هو ان يوصل للقارئ وللسامع أن كل ما فى الحياة من مال وعلم وجاه... ليس له قيمة ولا منفعة إن لم يكن الإنسان منشغلاً بما وراء الشمس أي بالأبدية.

قانونية العهد الجديد 

فى البداية كانت الكنيسة الأولى بعد نشأتها فى يوم الخمسين تعتمد على العهد القديم وتعاليم المسيح التى كان التلاميذ يتناقلونها شفاهة مع الرسائل والاعلانات التى كان الله يمنحها للرسل ولأنبياء العهد الجديد، فالعهد الجديد استغرق اكثر من 50 سنة حتى كتب واكتمل. وحتى بعد كتابة أسفار العهد الجديد، فإن بعض الأسفار قبلت بسرعة وتناقلت رسالتها من مكان إلى مكان فى وقت قصير جدا ولم تجد أى اعتراض عليها سواء من أشخاص او كنائس كذلك الأناجيل الأربعة ورسائل الرسول بولس. والأسفار التي قبلت بسرعة أطلق عيها القديس ايوسيبيوس إسم Homolegoumena "المعترف بها" أما الأسفار التي أثير حولها بعض الاسئلة واستغرقت وقتاً أطول من الكنيسة حتى تقبلها ضمن قانونية العهد الجديد فأطلق عليها اسم Antilegomena أي الأسفار التي "تحدث ضدها." مثال لذلك رسالة العبرانيين وبطرس الثانية، فعدم معرفة كاتب رسالة العبرانيين وعدم ذكر اسمه كما هو شائع في بقية الأسفار جعل السفر موضع تساؤل من البعض، كما أن أختلاف اسلوب رسالة بطرس الثانية عن الرسالة الأولى جعل البعض يشك فى أن يكون بطرس هو كاتب الرسالة الثانية.

تاريخياً كان هناك عدة أسباب دعت الكنيسة أن تقرر الأسفار القانونية للعهد الجديد.

أولاً: هرطقة مارسيون الذى نادى بأن إله العهد القديم يختلف عن إله العهد الجديد. فالله فى العهد القديم إله قاسٍ أما رسالة المسيح فهى رسالة عن الله المحب، نتيجة لهذا الفكر الخاطئ قرر مارسيون أن يرفض كل الأسفار التي ترتبط من قريب أو بعيد بالعهد القديم وفكر العهد القديم، فرفض معظم أسفار العهد الجديد فيما عدا إنجيل لوقا وعشرة رسائل للرسول بولس. أن تعاليم مارسيون الخاطئة جعلت الكنيسة تقف لتؤكد قانونية العهد الجديد وأن اسفار العهد الجديد اكثر من مجرد إنجيل لوقا ورسائل الرسول بولس.

ثانياً: انتشار الكتابات الغنوسية بالأخص فى صعيد مصر (نجع حمادي) وهى التى تضمنت خرافات وقصصاً غير حقيقة عن يسوع الناصري (انجيل توماس وانجيل يهوذا...الخ).

ثالثاً: قرار الامبراطور دقلديانوس بأن يدمر الكتب المقدسة وبأنه سيقتل كل من يحتفظ بالكتب المقدسة جعل المسيحيون يعرفون أي الكتب تستحق أن يموتوا من أجلها.

ومع منتصف القرن الثانى الميلادي كان مفهوم الكتب القانونية مفهوماً شائعاً. فايريناوس(180 م) أسقف ليون وتلميذ بوليكاربوس يتحدث فى كتابه "ضد الهراطقة" عن الأناجيل الأربعة ويقتبس من سفر الأعمال ورسائل بولس (رومية ورسالتي كورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وكولوسى ورسالتي تسالونيكي ورسالتي تيموثاوس وتيطس) ورسالة بطرس الأولى ويوحنا الأولى وسفر الرؤيا. كما أنه يؤكد على أن الكنيسة مبنية على أساس الرسل وأن الاناجيل الاربعة كانت حقيقة ثابتة معروفة ومقبولة فى كل العالم المسيحي. كما أن هيبوليتوس الرومانى المعاصر لاريناوس يقتبس فى كتاباته من أغلب أسفار العهد الجديد. ومع بداية القرن الثالث نجد أدلة واضحة على قانونية العهد الجديد فى كتابات الآباء مثال ترتوليان وكليمندس الاسكندرى وأريجانوس الذين إمتلأت كتاباتهم بإقتباسات من كل اسفار العهد الجديد. السفر الوحيد الذى كان موضع تساؤل مع القرن الثالث هو سفر العبرانيين. وأول قائمة لأسفار العهد الجديد هى التى قدمها لنا القديس أثناسيوس الإسكندرى سنة 367 م، لكن ليس معنى هذا أن قانونية أسفار العهد الجديد لم تكن قد قررت قبل ذلك، فالأسفار القانونية أدركتها واعترفت بها الكنيسة منذ لحظة كتابتها وهذا ما تؤكده كتابات الآباء الذين اقتبسوا من كل أسفار العهد الجديد. أن ما حدث فى مجمع هبُو سنة 393 م كان مجرد الاعتراف العلنى المصحوب بسلطان المجمع المقدس بأن الاسفار السبعة والعشرين التى قبلتها الكنيسة منذ زمن كتاباتها هى الأسفار القانونية للعهد الجديد وبهذا ينتهي أي تساؤل حول صحة قانونية أسفار العهد الجديد.

أسفار أبوكريفا 

لكن ماذا عن أسفار أبوكريفا او ما يطلق عليها أيضاً Deutero-Conanical Books "الأسفار القانونية الثانية"؟ يدّعي الكاثوليك والأرثوذكس بأن البرتستانت قد قاموا بحذف الكتب التالية من الطبعات البروتستانتية للكتاب المقدس: طوبيا، يهوديت، تتمة أستير، حكمة سليمان، حكمة يشوع بن سيراخ، باروخ، تتمة سفر دانيال، المكابيين الأول والثاني. وللرد نسرد بإختصارالحقائق التالية بخصوص هذه الكتب:

  1. لم ترد هذه الكتب ضمن قائمة ألأسفار القانونية للعهد القديم التى أوردها المؤرخ يوسيفوس فى القرن الأول الميلادى حيث يقول "إن السجلات منذ أرتحشستا إلى وقتنا تسجل كل شيء، ولكن هذه السجلات لـم تَحْظَ بالثقة التي حظيت بها السجلات القديمة، لأن سلسلة الأنبياء توقفت. ولكن الإيمان الذي وضعناه في كتاباتنا يتَّضح من سلوكنا، فإنه بالرغم من مرور الوقت الطويل، لـم يجرؤ أحد أن يضيف عليها شيئاً أو أن يحذف منها شيئاً أو يغيّر منها شيئاً". من المعروف ان زمن ارتحشستا يشير إلى فترة ما بعد السبى وهو وقت كتابة أخر سفر فى العهد القديم وهو سفر ملاخى.

  2. لم يعترف اليهود بهذه الكتب فهى قد كتبت فى وقت متأخر بعد عزرا و لم تظهر إلا فى فترة انقطاع الوحي. فكل علماء اليهود أجمعوا على أن ملاخى هو أخر أنبيائهم. ومع أن هذه الأسفار كانت ضمن الترجمة السبعينية للعهد القديم إلا أن اليهود لم يضعوها ضمن الكتب القانونية الموحي بها من الله.

  3. لم يدع كُتاب هذه الاسفار النبوة وان ما كتبوا هو وحي من الله بل بالعكس فكاتب المكابيين الثانى يقول فى نهاية سفره "فإن كنت قد أحسنتُ التأليف وأصبتُ الغرض، فذلك ما كنتُ أتمنّى. وإن كان قد لحقني الوهَن والتقصير فإني قد بذلت وُسعي. ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضرٌّ، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتُعقب لذة وطرباً، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف».

  4. رفض مجمع جامينا سنة 90 م هذه الأسفار واعتبرها غير قانونية.

  5. لم يستشهد السيد المسيح بهذه الكتب على الإطلاق.

  6. لا يتضمن العهد الجديد أى اقتباس من هذه الاسفار.

  7. آباء الكنيسة واللاهوتيون القدامى مثل أوريجانوس وأثناسيوس وكيرلس وميلتو أسقف ساردس وأبيفانيوس (جيروم) لم يضموا هذه الأسفار إلى قوائم ألأسفار القانونية للعهد القديم. فجيروم الذى كتب مقدمات لأغلب أسفار العهد القديم ومترجم (الفولجاتا- الترجمة اللاتينية) وضع هذه الاسفار فى مكان خاص بها معتبراً إياها غير قانونية ومشكوكاً فى صحتها و لهذا وضعها بعد ملاخى وأطلق عليها أسم "أسفار ما بين العهدين." وحتى الأب متى المسكين يقول فى كتابه "الحكم الألفى" إن "كتب الأبوكريفا العبرية المزيفة، التي جمعها وألفها أشخاص كانوا ضالعين فى المعرفة، ولكن لم يكونوا "مسوقين من الروح القدس"... تسمى هذه الكتب بالأبوكريفا المزيفة، وهى من وضع القرن الثانى قبل المسيح، وفيها تعاليم صحيحة وتعاليم خاطئة وبعض الضلالات مختلطة بعضها ببعض. ولكنها ذات منفعة تاريخية كوثائق للدراسة"

  8. تتضمن هذه الكتب تعاليماً خاطئة مثل أهمية الصلاة وجمع التقدمات من أجل الموتى، فيهوذا المكابى جمع تقدمة مقدارها ألفى درهم من الفضة أرسلها إلى أورشليم ليقدم بها ذبيحة عن الخطية من أجل الموتى ليُحلوا من الخطية (2مكابيين 12: 41-45). كذلك التركز على دور ألاعمال الظاهرة فالصدقة تنجى من الموت وتمحو الخطايا (طوبيا 4: 11، 12: 9). كما تتضمن هذه الكتب أخطاء تاريخية كثيرة منها أن تغلث فلاسر سبى سبط نفتالي فى القرن الثامن قبل الميلاد، بينما يقول التاريخ أن السبى الأشوري حدث فى القرن السابع 722 ق.م. وقت شلمناصر. وقال أن بلاسر دمر نينوى (طوبيا 14: 6) بينما الذى دمرها هو نبوخذنصر سنة 612 ق.م. يقول يشوع بن سيراخ أن عظام يوسف بن يعقوب "أفتقدت، وبعد موته تنبأت" (49: 18). كما تتضمن الأسفار أخطاء أخلاقية منها يقول طوبيا أن ملاكاً من السماء كذب عليه وأخبره بأنه من نسل حننيا العظيم (5: 17-19). كما يظهر الله فى سفر يهوديت وكأنه راض عن أستخدام طرق الخداع والمكر عند مواجهة الاعداء (9: 10، 13).

  9. تحتوى الأسفار على خرافات كثيرة بها. فنجد في سفر طوبيا قصة طوبيا والملاك رافائيل، كيف أنه في يوم من الأيام كاد حوتُ أن يفترسه، ولكنه تمكن من الحوت بعد أن اتبع إرشادات الملاك رافائيل في كيفية القضاء على الحوت. ثم كيف بعد ذلك أمره الملاك بأن يشق جوف الحوت ويحتفظ بقلبه ومرارته وكبده، لأنه توجد منافع علاجية لهذه الأعضاء. فدخان قلب الحوت إذا وضع على الجمر يطرد كل جنس من الشياطين في رجل كان أو امرأة بحيث لا يعود يقربهما أبدا. والمرارة تنفع لمسح العيون التي عليها غشاء فتبرأ (طوبيا 6: 8، 9). أما بالنسبة إلى كبد الحوت فبحرقه ينهزم الشيطان (طوبيا 6: 19).

كل هذه الحقائق بخصوص أسفار الأبوكريفا كانت كفيلة بأن يقرر علماء اليهود ومن بعدهم الرب يسوع والعهد الجديد ثم المصلحون ودار الكتاب المقدس على مستوى العالم أن هذه الاسفار ليست قانونية ولا ترتقى لتكون جزءاً من الوحي الالهي.

من الاعتراضات التي يرددها الرافضون لعصمة الكتاب المقدس إعتراض مرتبط بالمخطوطات الأصلية. فهم يقولون بما أن العصمة مرتبطة بالمخطوطات الأصلية للكتاب المقدس وبما أن هذه المخطوطات غير موجودة فلا يوجد ما يضمن لنا أن النص الذى بين أيدينا هو نسخة طبق الأصل من المخطوطة الأصلية؟ طبعاً عدم وجود المخطوطات الأصلية ليس دليلاً على عدم عصمة الكتاب المقدس، لأن ما لدينا من مخطوطات، بل الآف المخطوطات، والترجمات الكثيرة جداً كافية بأن تقودنا إلى النص الأصلى لإعلان الله. فلنفترض بأن الدستور الأمريكي والذي قد تبناه الكونجرس فى 17 سبتمبر 1787 والمحفوظ فى البيت الابيض قد نُسِخَ مع الوقت إلى عدة نسخ ووضعت النسخة الأولى فى مكتبة الكونجرس والثانية فى مبنى المحكمة الدستوريا العليا والثالثة فى مبنى البنتاجون ومع مرور الوقت طُبعت او نُسخت، من هذه النسخ الثلاثة، عشرات النسخ الأخرى (طبعا بعض النسخ قد نجد فيها أخطاء نتيجة النسخ أو تغير فى حرف أو تكرار حرف...الخ). بعد فترة طويلة من الزمان سرقت او فقدت النسخة الأصلية من البيت الابيض، السؤال المهم هو: هل يمكن ان نصل إلى الكلمات الأصلية للدستور أم لا؟؟؟؟ الإجابة طبعاً هى نعم، فاذا جمعنا النسخ الموجودة من الدستور وقارنناها معا يمكن الوصول إلى النص الأصلى للدستور: والرسم التإلى يوضح لنا هذه الفكرة

الفصل الخامس

مخطوطات الكتاب المقدس

من الاعتراضات التي يرددها الرافضون لعصمة الكتاب المقدس إعتراض مرتبط بالمخطوطات الأصلية. فهم يقولون بما أن العصمة مرتبطة بالمخطوطات الأصلية للكتاب المقدس وبما أن هذه المخطوطات غير موجودة فلا يوجد ما يضمن لنا أن النص الذى بين أيدينا هو نسخة طبق الأصل من المخطوطة الأصلية؟ طبعاً عدم وجود المخطوطات الأصلية ليس دليلاً على عدم عصمة الكتاب المقدس، لأن ما لدينا من مخطوطات، بل الآف المخطوطات، والترجمات الكثيرة جداً كافية بأن تقودنا إلى النص الأصلى لإعلان الله. فلنفترض بأن الدستور الأمريكي والذي قد تبناه الكونجرس فى 17 سبتمبر 1787 والمحفوظ فى البيت الابيض قد نُسِخَ مع الوقت إلى عدة نسخ ووضعت النسخة الأولى فى مكتبة الكونجرس والثانية فى مبنى المحكمة الدستوريا العليا والثالثة فى مبنى البنتاجون ومع مرور الوقت طُبعت او نُسخت، من هذه النسخ الثلاثة، عشرات النسخ الأخرى (طبعا بعض النسخ قد نجد فيها أخطاء نتيجة النسخ أو تغير فى حرف أو تكرار حرف...الخ). بعد فترة طويلة من الزمان سرقت او فقدت النسخة الأصلية من البيت الابيض، السؤال المهم هو: هل يمكن ان نصل إلى الكلمات الأصلية للدستور أم لا؟؟؟؟ الإجابة طبعاً هى نعم، فاذا جمعنا النسخ الموجودة من الدستور وقارنناها معا يمكن الوصول إلى النص الأصلى للدستور: والرسم التإلى يوضح لنا هذه الفكرة

إن ما لدينا من مخطوطات لا يترك أدنى شك فى أن النص الذى بين أيدينا هو نسخة طبق الأصل من النص الأصلى وحتى الاختلافات التى نراها بين المخطوطات لا تؤثر على أى عقيدة من العقائد الكتابية. فهده الأختلافات هى أختلافات نتيجة النسخ وتشمل هذه الأخطاء ما يلى:

  1. -هابلوجرافى – كتابة الحرف المكتوب مرتين بدلاً من مرة واحدة فقط.

  2. ديتوجرافى- كتابة الحرف المكتوب مرة واحدة بدلاً من مرتين.

  3. ميتاتيسس- تغير ترتيب حرفين.

  4. فيوشن – ضم كلمتين منفصلتين فى كلمة واحدة (بمعنى عدم ترك مسافة بين الكلمتين)

  5. فيشون –فصل كلمة واحدة إلى كلمتين منفصلين.

  6. هوموفونى- بالاخص كلمة להו(له) وكلمة לא (لا) حيث التشابهه قوى جداً بين الكلمتين.

  7. الخطأ فى قراءة حروف متشابهة سواء فى اللغة العبرية أو اليونانية، مثل:

    h j D 8 [ q K B

    D L ,E S, O Q, H N

  8. هوميوتيلتون – (أخطاء النظر) وهو عندما يترك الكاتب عن طريق الخطأ سطراً كاملا" وذلك لان السطرين لهما نهاية متشابهة فيظن أن السطر الذى ينبغى ان يكتبه قد كُتب. 9- الخطأ فى قراءة الحروف المتحركة على أنها ساكنة.

مخطوطات العهد القديم 

  1. قبل فترة السبى 586 ق.م.

    يخبرنا الكتاب المقدس أن كلمة الله المكتوبة كانت محفوظة وموجودة قبل السبى البابلى 586 ق.م.، فسفر التثنية 31: 24-26 يقول "عِنْدَمَا أكَمَّلَ مُوسَى كِتَابَةَ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ فِي كِتَابٍ إلى تَمَامِهَا، أَمَرَ مُوسَى اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ قَائِلاً: 26«خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ، لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِدًا عَلَيْكُمْ." كما أوصى الرب بأن يُعطى كل ملك يجلس على كرسى المملكة نسخة من سفر الشريعة عند تنصيبه لتكون الأساس لحكمه والدستور الذى لا يَحيد عنه "وَعِنْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ، يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ، فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَهُ وَيَحْفَظَ جَمِيعَ كَلِمَاتِ هذِهِ الشَّرِيعَةِ وَهذِهِ الْفَرَائِضَ لِيَعْمَلَ بِهَا، لِئَلاَّ يَرْتَفِعَ قَلْبُهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، وَلِئَلاَّ يَحِيدَ عَنِ الْوَصِيَّةِ يَمِينًا أَوْ شِمَالاً. لِكَيْ يُطِيلَ الأَيَّامَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ هُوَ وَبَنُوهُ فِي وَسَطِ إِسْرَائِيلَ."

    وعندما بدأ العمل فى ترميم بيت الرب فى أيام يوشيا الملك وجد الكهنة سفر الشريعة بجانب تابوت عهد الرب وكان ذلك سنة 621 ق.م. حيث نقرأ فى سفر الملوك الثانى 22: 8-11 "فَقَالَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: «قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ». وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ لِشَافَانَ فَقَرَأَهُ. وَجَاءَ شَافَانُ الْكَاتِبُ إلى الْمَلِكِ وَرَدَّ عَلَى الْمَلِكِ جَوَابًا وَقَالَ: «قَدْ أَفْرَغَ عَبِيدُكَ الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْبَيْتِ وَدَفَعُوهَا إلى يَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ وُكَلاَءِ بَيْتِ الرَّبِّ». وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ قَائِلاً: «قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا». وَقَرَأَهُ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ." إكتشاف سفر الشريعة كان حدثاً مهماً جداً، فمن الواضح أن ملوك يهوذا الاشرار سواء كان اّحاز الذى دنس هيكل الرب او منسى الملك (جد يوشيا) الذى بنى مذابح فى بيت الرب الذي قال الرب عنهُ: "في أورشليم أضعُ اسمي" (2 مل 21: 4)، أو أمون (أبو يوشيا) الذى عمل الشر في عيني الرب كما عمل منسى أبوهُ... وعبد الأصنام التي عبدها أبوهُ وسجد لها" (2 مل 21: 21) كل هولاء قد عملوا على إبادة كل ما يتعلق بالرب إله اسرائيل بما فيها سفر الشريعة סףר התןרה ولهذا كان اكتشاف نسخة منه فى الهيكل أمراً هاماً ودليلاً على وجود سفر الشريعة وانتقاله من جيل إلى جيل.

    أما فيما يتعلق بأقوال الأنبياء، فكان الأنبياء يُسجلون نبؤاتهم أو يملونها على تلاميذهم الذين بدورهم يسجلونها ويحفظونها. فإشعياء يقول "صُرَّ الشِّهَادَةَ. اخْتِمِ الشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي" (إشغياء 8: 16)، إنه يأمر تلاميذه بأن يكتبوا نبؤاته التى أعلنها له الرب ويحفظونها حتى يأتى وقت تحقيقها فتُقرأ على الشعب كتأكيد بأن إشعياء نبي الرب وما يقوله من نبؤات يتحقق. كما أمر الرب إرميا أن يكتب كل الكلام الذى أعلنه له " «خُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجَ سِفْرٍ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ بِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَعَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِيهِ، مِنْ أَيَّامِ يُوشِيَّا إلى هذَا الْيَوْمِ. لَعَلَّ بَيْتَ يَهُوذَا يَسْمَعُونَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا مُفَكِّرٌ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، فَأَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ وَخَطِيَّتَهُمْ». فَدَعَا إِرْمِيَا بَارُوخَ بْنَ نِيرِيَّا، فَكَتَبَ بَارُوخُ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ فِي دَرْجِ السِّفْرِ. وَأَوْصَى إِرْمِيَا بَارُوخَ قَائِلاً: «أَنَا مَحْبُوسٌ لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ الرَّبِّ. فَادْخُلْ أَنْتَ وَاقْرَأْ فِي الدَّرْجِ الَّذِي كَتَبْتَ عَنْ فَمِي كُلَّ كَلاَمِ الرَّبِّ فِي آذَانِ الشَّعْبِ، فِي بَيْتِ الرَّبِّ فِي يَوْمِ الصَّوْمِ، وَاقْرَأْهُ أَيْضًا فِي آذَانِ كُلِّ يَهُوذَا الْقَادِمِينَ مِنْ مُدُنِهِمْ. لَعَلَّ تَضَرُّعَهُمْ يَقَعُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ الْغَضَبُ وَالْغَيْظُ اللَّذَانِ تَكَلَّمَ بِهِمَا الرَّبُّ عَلَى هذَا الشَّعْبِ». فَفَعَلَ بَارُوخُ بْنُ نِيرِيَّا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ إِرْمِيَا النَّبِيُّ، بِقِرَاءَتِهِ فِي السِّفْرِ كَلاَمَ الرَّبِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ" (إرميا 36: 2-8). وعندما قرأ باروخ كلام هذا السفر فى مسامع الشعب خافوا وقالوا لباروخ: «إِخْبَارًا نُخْبِرُ الْمَلِكَ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ». 17ثُمَّ سَألوا باروخ قائلين: «أَخْبِرْنَا كَيْفَ كَتَبْتَ كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ عَنْ فَمِهِ؟» فَقَالَ لَهُمْ بَارُوخُ: «بِفَمِهِ كَانَ يَقْرَأُ لِي كُلَّ هذَا الْكَلاَمِ، وَأَنَا كُنْتُ أَكْتُبُ فِي السِّفْرِ بِالْحِبْرِ» (إرميا 36: 16-18). حتى عندما أخذ الملك يهوياقيم الدرج ومزقه ثم أحرقه صارت كلمة الرب إلى إرميا بعد إحراق الملك للدرج: «عُدْ فَخُذْ لِنَفْسِكَ دَرْجًا آخَرَ، وَاكْتُبْ فِيهِ كُلَّ الْكَلاَمِ الأول الَّذِي كَانَ فِي الدَّرْجِ الأول الَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا، وَقُلْ لِيَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ قَدْ أَحْرَقْتَ ذلِكَ الدَّرْجَ قَائِلاً: لِمَاذَا كَتَبْتَ فِيهِ قَائِلاً: مَجِيئًا يَجِيءُ مَلِكُ بَابِلَ وَيُهْلِكُ هذِهِ الأَرْضَ، وَيُلاَشِي مِنْهَا الإنسان وَالْحَيَوَانَ؟لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا: لاَ يَكُونُ لَهُ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَتَكُونُ جُثَّتُهُ مَطْرُوحَةً لِلْحَرِّ نَهَارًا، وَلِلْبَرْدِ لَيْلاً. وَأُعَاقِبُهُ وَنَسْلَهُ وَعَبِيدَهُ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأَجْلِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَعَلَى رِجَالِ يَهُوذَا كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي كَلَّمْتُهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعُوا. فَأَخَذَ إِرْمِيَا دَرْجًا آخَرَ وَدَفَعَهُ لِبَارُوخَ بْنِ نِيرِيَّا الْكَاتِبِ، فَكَتَبَ فِيهِ عَنْ فَمِ إِرْمِيَا كُلَّ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي أَحْرَقَهُ يَهُويَاقِيمُ مَلِكُ يَهُوذَا بِالنَّارِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَلاَمٌ كَثِيرٌ مِثْلُهُ" (إرميا 36: 27-32). إن هذه الآيات تخبرنا بأن الرب ساهر على كلمته فلا يقدر الملك ولا حتى السبى والدمار الذى حدث لمدينة أورشليم ولهيكل الرب سنة 586 ق. م على يد نبوخزنصر ملك بابل أن يمحو كلمة الله من الوجود. يقول اللاهوتي والعلامة الانجليزي المعروف اف اف بروس "إنها فعلا معجزة أن لا تزول الأسفار المقدسة القديمة نتيجة السبى البابلى"40
  2. فترة ما بعد السبى:

    عندما عاد عزرا مع ال 50.000 من اليهود الذين استجابوا لدعوة كورش بالرجوع إلى اورشليم تقول كلمة الرب أنه رجع بالشريعة فى يده " مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ مُرْسَلٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ وَمُشِيرِيهِ السَّبْعَةِ لأَجْلِ السُّؤَالِ عَنْ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ حَسَبَ شَرِيعَةِ إِلهِكَ الَّتِي بِيَدِكَ" (عزرا 7: 14). فعزرا هذا كان "كاتبٌ ماهرٌ في شريعة مُوسى التي أعطاها الربُ إلهُ إسرائيل" (7: 6)، كلمة كاتب بالعبري هى ספר سوُفير أى معلم "كاتب" وهى كلمة تستخدم فى الأصل لتشير إلى سكرتير القصر الملكى (2 صم 8: 17 و 20: 25)، أو إلى الشخص الذى يدرس ويفسر وينسخ الأسفار المقدسة. كان عزرا معه سفر الشريعة وقد قام بقراءته أمام كل الشعب فى اورشليم فى عيد المظال. بجانب وجود سفر الشريعة فى أورشليم بعد السبى يؤكد لنا الكتاب المقدس أن كتابات الأنبياء كانت ايضاً موجودة ومعروفة والدليل على ذلك هو كلام النبي زكريا بن برخيا ورجوعه إلى كلام الأنبياء الذين كانوا قبل السبى "ألأنبياء اللأولون." (زكريا 1: 4-6).

  3. مخطوطات البحر الميت (قمران)

    تعود مخطوطات قمران التى اكتشفت سنه 1947 إلى القرن الأول والثانى قبل الميلاد. فقد اكتشف هذه المخطوطات أحد الرعاة الذى كان يرعى الاغنام فى وادى قمران وعندما اختفت أحد أغنامه هم بالبحث عنها فرمى حجراً فى ثقب فى تل على الجانب الغربى للبحر الميت، واندهش وهو يسمع صوت تحطم آنية فخارية فدخل ليستكشف الأمر فوجد أوانى فخارية كثيرة وكبيرة تحتوى على لفائف من جلد ملفوة فى انسجة كتانية وبداخلها مخطوطات تعود إلى ما قبل الميلاد. يقول أف أف بروس إن هذه المخطوطات ترجع إلى الفترة ما بين اضطهاد اليهود تحت يد انتيوخوس ابيفانوس الرابع 167 ق. م. إلى دمار هيكل اورشليم سنه 70 ميلادية41. قام علماء المخطوطات بترتيب هذه المخطوطات وقراءتها وكذلك ترجمتها وهى تحتوى على معظم أسفار العهد القديم. فمثلاً سفر إشعياء وجدَ كاملاً فى مخطوطة واحدة. أعطى علماء المخطوطات أرقاماً ورموزاً لكل مخطوطة حتى يمكننا ان نميز بين بعضها البعض فمثلاً مخطوطة إشعياء يشار اليها بالاحرف الاتية IQIs أى المخطوطة التى اكتشفت فى الكهف الأول فى وادى قمران والأولى من حيث الأهمية، وهى موجودة الان فى الجامعة العبرية بأورشليم. بدراسة آلاف القطع الصغيرة التي اكتشفت فى كهف 1 وكهف 4 استطاع العلماء معرفة أكثر من 380 مخطوطة لأسفار العهد القديم. كما احتوى كهف 2 على أكثر من 180 قطعة fragments من المخطوطات ربعها مخطوطات لأسفار كتابية. أما كهف 3 فقد اشتهر بأحتوائه على رقائق من النحاس منقوش عليها أيات من الكتاب المقدس. أما كهف 7 فقد احتوى على مخطوطات لأسفار الكتاب المقدس مترجمة إلى اللغة اليونانية، أما كهف 8، 9، 10، 11 فقد وجد بهما خمسة أسفار او أدراج كاملة وجزء من سفر اللاويين وأجزاء من سفر المزامير والترجوم الأرامى لسفر أيوب. أولقائمة التالية تحتوى على المخطوطات التى قام العلماء بنشرها فى كتب:

    1. مخطوطة البحر الميت لسفر إشعياء (IQIs) – والتى تحتوى على سفر إشعياء كاملاً (66 أصحاحاً) وتعود إلى 150-100 ق.م. أهمية هذه المخطوطة هو تطابقها الكامل مع المخطوطة المازورية MT التى تعود إلى القرن الثامن الميلادى مما يؤكد مصداقية النسخ المازورية وانها نسخت من المخطوطات الاصلية.

    2. تفسير سفر حبقوق (IQpHb) الاصحاح الأول والثانى فقط ويعود إلى 100-50 ق.م. يقول أرتشر أن نص حبقوق مطابق للنص المازورى MT.42

    3. سفر إشعياء فى الجامعة العبرية وبالاخص الاصحاحات 41-66 والتى تعود إلى سنة 50 ق.م.

    4. أجزاء من سفر اللاويين (IQ) نسخت فى أغلب الظن فى القرن الرابع قبل الميلاد.

    5. أجزاء من سفر التثنية (4Q) والاصحاحات من 19-22 وهى تتطابق اكثر مع الترجمة السبعينية LXX.43

    6. أجزاء من سفري صموئيل (4Q) وبالتحديد 27 جزءا وتعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وهذه الاجزاء تتطابق مع الترجمة السبعينية

    7. سفر إرميا وكذلك الأنبياء الصغار (4Q) وهى تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد

    8. 8- سفر الجامعة (4Q) ويعود إلى القرن الثانى قبل الميلاد

    9. أجزاء من سفر الخروج (4Q) والاصحاح الأول وهى تتفق مع الترجمة السبعينية من حيث عدد الافراد الذين نزلوا مع يعقوب إلى مصر (75 نفساً). كما شملت هذه المخطوطة أجزاء من الاصحاحات 7 و 29 و 30 و 32 من نفس السفر. ويرجح العلماء ان عمر هذه المخطوطة يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد.

    10. سفر العدد والتثنية (اصحاح 32 "ترنيمة موسى") ومختصر لسفر إرميا واجزاء من سفر دانيال (4Q) كلها تعود إلى القرن الثانى قبل الميلاد.

    11. سفر المزامير (11Q) مخطوطات كهف 11 تحتوى على 37 مزموراً، أغلبهم يتطابق مع النص المازورى.

      يقول أريتشر أن دراستنا لمخطوطات البحر الميت تؤكد وتشير إلى أربع عائلات من المخطوطات كانت موجودة من قبل وهى:

      1. ) مخطوطات سابقة للنص المازورى والتى منها تم نسخ النص المازورى قبل اضافة الحروف المتحركة إليه.

      2. مخطوطات سابقة للترجمة السبعينية والتى استخدمت كنص أصلى تم ترجمته إلى اليونانية.

      3. مخطوطات سابقة للتوراة السامرية (أسفار موسى الخمسة فقط) والتى منها تم نسخ مخطوطة التوراة السامرية The Samaritan Pentateuch.

      4. مخطوطات محايدة لا تتبع أى من الثلاث عائلات الأول .44

        مع أن إكتشاف مخطوطات قمران يعتبر أعظم إكتشاف مرتبط بالكتاب المقدس إلا ان الفائدة العظمى لهذه المخطوطات تعود إلى أنها أكدت لنا بما لا يحمل أدنى شك مصداقية النص المازورى The Masoretic Text الذى بين أيدينا اليوم والذى يعتبر أساس معظم الترجمات المختلفة للكتاب المقدس. وجاءت مخطوطات قمران لتشهد بأن النص المعروف بالمازورى المأخوذ من نسخة كانت موجودة عام 100 م. ، يمثل النص الآصلى الذى كتبه كتاب العهد القديم. يقول جوش مكدويل "كيف نتأكد أن مخطوطة من عام 900 م صحيحة وطبق الأصل من المخطوطات القديمة السابقة لميلاد المسيح؟ والإجابة: شكراً لمخطوطات البحر الميت، فإن مخطوطة إشعياء ترجع إلى ما قبل المخطوطات التى معنا بألف سنة فالعلماء يرجعون بتاريخ نسخها إلى 125 ق.م... ولقد وجد تطابق مذهل بين مخطوطة إشعياء القديمة (125 ق.م.) ومخطوطات الكتبة المازوريين (916 م) مما يدل على دقة النُساخ على مدى ألف سنة.45" يتفق معظم علماء المخطوطات ونقد النص أن مخطوطات قمران وبالاخص مخطوطة إشعياء تتفق وتتطابق مع النص العبرى الذى بين أيدينا فيما يزيد عن 95 % وأن ال 5 % الباقية هى اختلافات فى الهجاء او نسخ حروف متشابهة.

    مخطوطات تعود إلى ما بعد المسيحية

    1. مخطوطة كيرينسيس Codex Cairensis (C) وهى تشتمل على أسفار الأنبياء المتقدمين والأنبياء المتأخرين وقد نسخها هارون بن أشير سنة 895 م، أغلب الظن ان الصليبين حملوها معهم من أورشليم سنة 1099 م.

    2. مخطوطة المتحف البريطانى الشرقية 4445 وهى نسخة من التوراة (أسفار موسى الخمسة) وتعود إلى سنة 850 م.

    3. المخطوطة الحلبية وهى تحتوى على كل العهد القديم وتعود إلى النصف الأول من القرن العاشر الميلادى، وقد اضاف اليها هارون بن موسى بن أشير علامات الهجاء والحروف المتحركة وهى الان فى أورشليم.

    4. مخطوطة ليننجراد والتى تحتوى على أسفار الأنبياء الكبار والصغار وهى تعود إلى سنة 916 م.

    5. مخطوطة ليننجراد MS B-19A تحتوى على كل العهد القديم وهى النص المازورى لأبن أشير وتعود إلى سنة 1010 م. هذه المخطوطة تعتبر المصدر الأساسى للنص العبرى للعهد القديم Kittel's Biblia Hebraica .47

    6. - التوراة السامرية – مازالت المخطوطات القديمة لهذه النسخة موجودة فى مدينة نابلوس من قبل الطائفة السامرية.


    40F. F. Bruce, "Transmission and Translation of the Bible," The Expositor's Bible Commentary. Ed., Frank E. Gaebelein (Grand Rapids: Zondervan, 1979), 1: 40
    41F. F. Bruce, "Transmission and Translation of the Bible," 40.
    42Gleason Archer, A Survey of Old Testament Introduction, (Chicago: Moody Press, 1994), 44.
    43 لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى F. F. Bruce, Biblical Exegesis in Qumran Texts (Grand Rapids: Eerdmans, 1959), 7-17.
    44Archer, A Survey of Old Testament Introduction, 45.
    45Josh McDowell, The New Evidence that Demands a Verdict (Nashville: Thomas Nelson, ), 76.

    يصنف علماء اليهود العهد القديم إلى ثلاثة اقسام: 1) التوراة، 2) ألأنبياء وينقسم الأنبياء إلى قسمين: الأول يسمى الأنبياء المتقدمين ويشمل الاسفار من يشوع إلى الملوك الثانى، والثانى الأنبياء المتأخرين ويشمل الأنبياء الكبار والأنبياء الصغار. اما القسم الثالث والاخير فهو ما يسمى بالكتب.

    من الفترة بين 500 م إلى 700م ظهرj مجموعة من الكتبة المتخصصين فى النص العبري للعهد القديم كانت مسئوليتهم الأولى هى الحفاظ على النص الكتابى ونسخه. هؤلاء العلماء هم الذين أخترعوا الحروف المتحركة فى اللغة العبرية وعلامات النبرات على النسخ التى قاموا بنسخها وقد قاموا أيضاً بأختراع نظام التدوين. التدويين هذا سمى بأسم "مازورا." بعض العلماء يقولون أن كلمة مازورا تأتى من الاصل العبري אםר والذى يعنى "توثق" أو "تحزم" وبهذا تكون مهمة هؤلاء الكتبة هى الحفاظ على النص الكتابى. البعض الاخر يقول أن كلمة "مازورا" هى من الأصل מםר والذى يعنى أن تسلم شئ وبهذا يشير أسم مازورا إلى التقليد اليهودى الذى يسلمه جيل إلى جيل. فى كلتا الحالتين فأن العلماء اليهود كانوا حماة للنص الكتابى وعملوا على نسخه بكل أمانة ودقة متناهية جداً. فالكتبة الذين كانوا يكتبون الحروف الساكنة يطلق عليهم أسم "صفوريم" أى الذين يعدون الحروف، فقبل نسخ أى مخطوطة كان الكاتب يقوم بعد الحروف وعندما ينتهى من النسخ كان يعدد حروف النسخة التى قام بنسخها ثم يقارن النسختين ببعض فإذا وجد ان النسخة التى كتبها تنقص ولو حرف واحد كان يمزقها ويبدأ فى كتابة نسخة جديدة. أما الكتبة الذين كانوا يقومون بوضع العلامات المتحركة فكانوا يسمون "نقدانيم" ومعناها المنقطين اى الذين كانوا يضعون علامات التنقيط على الحروف.

    مخطوطات العهد الجديد 

    يوجد اليوم أكثر من 5700 مخطوطة يونانية للعهد الجديد تتراوح في الحجم بين أجزاء صغيرة تحتوي على عدد صغير من الآيات ومخطوطات كبيرة تحتوى على كل العهد الجديد. 170 منها أجزاء من البردى و 2754 مخطوطة مكتوبة بالحروف المشبكه minusculesة و 266 بالحروف المفردة الكبيرة uncials (πΑΥλοϩΑποϩτολοϩ). كما يوجد حوإلى 10000 مخطوطة لاتينية و 9300 مخطوطة قديمة باللغة السريانية والأثيوبية والقبطية والآرامية واللغات الأوربية القديمة. يعود عمر هذه المخطوطات إلى ما بين القرن الثاني الميلادي وحتى اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر، لكن أغلبية هذه المخطوطات تعود إلى ما قبل القرن العاشر الميلادي. وإلى يومنا هذا يتم اكتشاف ما بين 2 إلى 3 مخطوطات كل يوم، يقول دانيال والاس أستاذ اللغه اليونانية والعهد الجديد بكلية لاهوت دالاس إنه في سنة 2008 تم اكتشاف 47 مخطوطة جديدة للعهد الجديد.48 أضف إلى هذا الكم الهائل من المخطوطات الاقتباسات الكثيرة جداً لأباء الكنيسة من العهد الجديد. فجاستين مارتر اقتبس 300 اقتباس من العهد الجديد، وايريناوس اقتبس أكثر من 1800 اقتباس، وكلمينت الإسكندرانى 2400، وترتليان 7000. أما فى القرن الثاني والثالث الميلادي فنجد أكثر من 45000 اقتباس من العهد الجديد فى كتابات الآباء منها 33000 في كتابات أوريجانوس فقط. هذه الاقتباسات كافية بأن يجمع ويكتب العهد الجديد كله منها حتى ولو ضاعت النسخ الأصلية.

    إن ما يميز مخطوطات العهد الجديد عن أى مخطوطات أخرى هو أمران: الأمر الأول هو أن الفترة الزمنية بين كتابة المخطوطة الأصلية وبين المخطوطات التى وصلتنا منها قصيرة جداً. والأمر الثانى هو غنى العهد الجديد من حيث عدد المخطوطات عند مقارنته بالكتابات الأخرى. الجدول التالي يوضح هذان الأمران.49

    المؤلف سنة 55 ق. م. أقدم النسخ الفارق الزمنى عدد النسخ مصداقية النسخ
    ليوكريتوس سنة 55 ق. م.   1100 سنه 2 ---------
    بلينى 61-113 ق. م. 850 م. 750 سنه 7 ---------
    أفلاطون 427-347 ق.م. 900 م. 1200 سنه 7 ---------
    ديموستينيس 358 م. 1100 م. 800 سنه 8 ---------
    هيرودتس 480-425 ق.م. 900 م. 1300 سنه 8 ---------
    سوتنيوس 75-160 م. 950 م. 800 سنه 8 ---------
    ثيوسيديدوس 460-400 ق.م. 900 م. 1300 سنه 8 ---------
    يوربيدس 480-406 ق.م. 1100 م. 1300 سنه 9 ---------
    اريستوفانيس 450-385 ق.م. 900 م. 1200 سنه 10 -----------
    ليفى 59 ق.م. -17 م.     20 -----------
    تاسيتوس 100 م. 1100م. 1000 سنه 20 ----------
    ارسطو 384-322 ق.م. 1100 م. 1400 سنه 49 ----------
    سوفوكليس 496-406 ق.م. 1000 م. 1400 سنه 193 ----------
    ومر 900 ق.م. 400 ق.م. 500 سنه 643 92%
    العهد الجديد 57-95 م. 130-200 م. أقل من 100 سنه 700و5 99 %

    49The above chart was adapted from three sources: 1) Christian Apologetics, by Norman Geisler, 1976, p. 307; 2) the article "Archaeology and History attest to the Reliability of the Bible," by Richard M. Fales, Ph.D., in The Evidence Bible, Compiled by Ray Comfort, Bridge-Logos Publishers, Gainesville, FL, 2001, p. 163; and 3) A Ready Defense, by Josh Mcdowell, 1993, p. 45.

    أسماء بعض المخطوطات الهامة:

    1. مخطوطة جون رايلاند- تعتبر هذه المخطوطة أقدم مخطوطات العهد الجديد (P⁵²)، فهى تعود إلى بداية القرن الثانى الميلادى وبالتحديد سنه 130 م. وقد وجدت فى مصر سنة 1920 وتحتوى على أنجيل يوحنا (الاصحاح 18). أهمية هذه المخطوطة طبعاً بجانب تاريخها المتقدم إلا أنها ساعدت على القضاء على الهجوم الذى كان يوجه إلى إنجيل يوحنا باعتباره أنه كتب فى القرن الثاني او الثالث الميلادي. فعمر المخطوطة ومكان اكتشافها في مصر (مع أن المعروف أن إنجيل يوحنا كتب فى أسيا الصغرى) تعتبر دليل كافى لاثبات ان هذا الأنجيل كُتبَ فى النصف الثانى من القرن الأول الميلادى. وهذه المخطوطة موجودة الآن فى مكتبة مانشستر بانجلترا.

      يوحنا 18: 31-33

      ΟΙ ΙΟΥΔΑΙΟΙ ΗΜΙΝ ΟΥΚ ΕΞΕΣΤΙΝ ΑΠΟΚΤΕΙΝΑΙ
      OYΔΕΝΑ ΙΝΑ Ο ΛΟΓΟΣ ΤΟΥ ΙΗΣΟΥ ΠΛΗΡΩΘΗ ΟΝ ΕΙ-
      ΠΕΝ ΣΕΜΑΙΝΩΝ ΠΟΙΩ ΘΑΝΑΤΩ ΗΜΕΛΛΕΝ ΑΠΟ
      ΘΝΕΣΚΕΙΝ ΕΙΣΗΛΘΕΝ ΟΥΝ ΠΑΛΙΝ ΕΙΣ ΤΟ ΠΡΑΙΤΩ-
      ΡΙΟΝ Ο ΠΙΛΑΤΟΣ ΚΑΙ ΕΦΩΝΗΣΕΝ ΤΟΝ ΙΗΣΟΥΝ
      ΚΑΙ ΕΙΠΕΝ ΑΥΤΩ ΣΥ ΕΙ ΒΑΣΙΛΕΥΣ ΤΩΝ ΙΟΥ-
      ΔΑΙΩN...

      فَقَالَ لَهُمْ...:«خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ:«لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا». لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إلى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ.ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إلى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ:«أنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟»

      يوحنا 18: 37-38

      فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ:«أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إلى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي». قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ:«مَا هُوَ الْحَقُّ؟». وَلَمَّا قَالَ هذَا خَرَجَ أَيْضًا إلى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ:«أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً.

    2. بردية بودمر- وهى مجموعة من البرديات (P66 P72 P74 P75) يعود تاريخ كتابة هذه

      البردية إلى الفترة بين 150-200 م. وهى تحتوى على معظم إنجيل يوحنا. وهى موجودة الان فى مكتبة بدمر بجنيف. لمزيد من المعلومات عن قصة اكتشاف هذه المخطوطة والاشخاص والاحداث التى ارتبطت بها يمكن الرجوع إلى كتاب الدكتور القس عبد المسيح اسطفانوس، أديرة الصعيد وكنوز فى جرار: مخطوطات دير الآنبا باخوميوس، 2008.

    3. مخطوطة تشستر بيتى- هى مجموعة من البرديات تحتوى على نصوص من العهد الجديد وثلاثة منها احتوت على معظم العهد الجديد (P⁴⁵ , P⁴⁶ , P⁴⁷) وأغلبها موجود فى متحف بيتى بدبلن وجزء منها فى فينا وجامعة متشيجان. مع أن مكان اكتشافها غير أكيد لكن عدد من العلماء يعتقدون بأنها اكتشفت فى مدفن قديم قبطى بالقرب من مدينة الفيوم بمصر.

      تشستر بيتى (P45) جزء من أنجيل لوقا

    4. النسخه الفاتيكانية Codex B (03)(325-350 م.) موجودة فى الفاتيكان من سنة 1481 وقد جاءت من مدينة الاسكندرية بمصر. يعتقد البعض ان النسخة الفاتيكانية والسينائية اثنتين من مجموع 50 نسخة للكتاب المقدس أمر الامبراطور قسطنطين فى القرن الرابع أن تنسخ. لكن علماء العهد الجديد يقولون أن النسخة الفاتيكانية تعتبر أقدم من السينائية كما أنها تعتبر من أفضل النصوص اليونانية من بين كل المخطوطات اليونانية للعهد الجديد. وقد كتبت على جلود الاغنام وبحروف مفرطة كبيرة تسمى uncials وكتبت على 759 صفحه و تعتبر أهم وأثمن النسخ اليونانية للعهد الجديد فهى تحتوى على كل العهد الجديد

      صفحة من النسخة الفاتيكانية وهى تحتوى على الجزء الاخير من الرسالة الثانية لتسالونيكى والجزء الأول من رسالة العبرانيين.

    5. النسخة السينائيه א Codex (350 م) موجودة فى المتحف البريطانى وتحوى كل العهد الجديد ما عدا مرقس 16: 9-20، يوحنا 7: 53-8: 11 كما تحتوى على أكثر من نصف العهد القديم. تعتبر مع النسخة الفاتيكانية من أهم المخطوطات اليونانية للكتاب المقدس. كتبت أيضاً بالحروف الكبيرة المفرطة. تم اكتشافها فى دير جبل سانت كثرين بسيناء سنة 1844 وسلمها الدير هدية لقيصر روسيا ثم اشترتها الحكومة البريطانية من الاتحاد السوفيتى بمائة ألف جنيه سنة 1933.

    6. النسخة الأفرايمية Codex C (04)(400 م) موجودة فى المكتبة العامة بباريس وتحتوى على كل العهد الجديد ما عدا تسالونيكى الثانية ويوحنا الثالثة. أطلق عليها العلماء أسم "باليمبسيسف" من الكلمة اليونانية palimpsēstos وتعنى الكتابة أكثر من مرة على نفس المخطوطة بعد شطب الكتابة الأولى. فقد حأول البعض شطب ما تحتويه المخطوطة واستخدامها فى كتابة شئ أخر لكن العلماء استطاعوا استرجاع الكتابة الأولى والاصلية للمخطوطة. النص اليونانى لهذه المخطوطة يشبه النسخة الفاتيكانية.

    7. النسخة البيزية Codex Bezae D(450) - قدمت هدية لجامعة كامبردج سنة 1581 وتحتوى على الأناجيل الاربعة ( متى، مرقس، لوقا، يوحنا) وسفر الأعمال باللغتين اليونانية واللاتينية.

    8. النسخة الكلارومنتية Codex D2(500م) موجودة فى المكتبة القومية بباريس وتحتوى على رسائل بولس الرسول باللغتين اليونانية واللاتينية. أطلق عليها اللاهوتيين الكلفنيين أسم ثيودور بيزا لأن بيزا هو أول من فحصها وكتب ملاحظات بخصوصها.

    9. النسخة الاسكندرانية Codex Alexandrinus A (02)– كتبت فى القرن الخامس الميلادى وتحتوى على كل العهد القديم وكل العهد الجديد فيما عدا أجزاء من إنجيل متى و يوحنا ورسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس. وتعتبر من أكثر المخطوطات التى استخدمها علماء نقد النص وذلك لانها موجودة فى إنجلترا من سنة 1627.

    ترجمات الكتاب المقدس القديمة 

    1. الترجمة السبعينية (LXX) تعتبر هذه واحدة من أهم الترجمات القديمة للعهد القديم. فالترجمة السبعينية هى ترجمة العهد القديم من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية فى أثناء حكم بطليموس فيلادلفوس بمصر (285-264 ق. م.). سميت بالسبعينية لان سبعين او اثنين وسبعين شيخأ من علماء اليهود اشتركوا فى هذه الترجمة وقد أكملوا ترجمة الأسفار الخمسة فى 72 يوماً، باتفاق كامل، اما بقية الاسفار فقد تمت ترجمتها على مراحل. لقد أفادت الترجمة السبعينية اليهود المقيمين فى مدينة الاسكندرية والمتحدثين باليونانية فكانت بمثابة الجسر بين اليهود المتكلمين بالعبرية والمتكلمين باليونانية. كما منحت الترجمة السبعينية فرصة لغير اليهود والمتحدثين باليونانية ان يطلعوا على أسفار العهد القديم، وهذا كان بمثابة تمهيد لرسالة الايمان المسيحي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بإعلانات الله فى العهد القديم. وبذلك صارت الترجمة السبعينية هى الكتاب المقدس للمؤمنين المسيحين فى القرن الأول الميلادى. المخطوطات المسيحية من الترجمة السبعينية هى مخطوطات فيها الترجمة السبعينية (العهد القديم) والعهد الجديد اليونانى فى مجلد واحد. وهى تعود إلى القرن الثالث والرابع الميلادى، منها طبعاً المخطوطة الفاتيكانية Vaticanus والمخطوطة السينائية Sinaiticus. أما مخطوطات القرن الخامس فتتضمن مخطوطة الاسكندرية (A) فى لندن ومخطوطة إفرايم (C) فى باريس واكثر من 2000 مخطوطة أخرى للترجمة السبعينية موجودة حالياً.

    2. الترجوم الأرامى – نقرأ فى سفر نحميا أن "يَشُوعُ وَبَانِي وَشَرَبْيَا وَيَامِينُ وَعَقُّوبُ وَشَبْتَايُ وَهُودِيَّا وَمَعْسِيَا وَقَلِيطَا وَعَزَرْيَا وَيُوزَابَادُ وَحَنَانُ وَفَلاَيَا وَاللاَّوِيُّونَ أَفْهَمُوا الشَّعْبَ الشَّرِيعَةَ، وَالشَّعْبُ فِي أَمَاكِنِهِمْ. وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ" (8: 7-8)، وهذا معناه أن الشريعة كانت تقرأ بالعبرية وتترجم للآرامية، فكلمة "ترجوم" تعنى "ترجمه" واصبح هذا تقليداً فى المجامع التى يحضرها المتلكمون بالآرامية فى منطقة فلسطين وما بين النهرين. فى البداية كان الترجوم ترجمة شفاهية ثم بدأت تكتب حتى يستفيد منها كل من لم يحضر العبادة فى المجامع. من ضمن المخطوطات التى اكتشفت فى قمران مخطوطة ارامية لسفر أيوب. الترجوم الفلسطينى للتوراة والمحفوظ بالكامل فى الفاتيكان كتب بلغة فلسطين الارامية فى القرن الأول الميلادى (اللغة التى تحدث بها السيد المسيح)، كما يعتبر أشهر ترجوم هو ترجوم اونكيلوسTargum of Onqelos لأسفار موسى الخمسة (التوراة) وترجوم يوناثان Targum Jonathan للأسفار الأنبياء.

    3. البشيطا السريانية- تسمى النسخة السريانية للكتاب المقدس "بشيطا" ومعناها النسخة البسيطة. فاللغة السريانية هى شكل من اشكال الارامية والنسخة السريانية البسيطة لأسفار العهد القديم تحتوى على بصمات الترجوم الأرامى. يعتقد علماء المخطوطات أن النسخة السريانية تعود إلى الجزء الثانى من القرن الأول الميلادى أى 150 – 200 م. وعندنا اليوم 350 مخطوطة من هذه الترجمة ترجع إلى القرن الخامس. وعلى الرغم من أن النسخة السريانة قد ترجمت من اللغة الاصلية أى من نص عبري فأنه توجد أدلة على ان النسخة السريانية تأثرت إلى حد ما بالترجمة السبعينية LXX.

    4. الفولجاتا- هى أقدم ترجمة لاتينية لأسفار العهد القديم قام بها القديس جيروم فى الفترة بين 386 - 384 م. فقد قام بترجمة النص العبري إلى اللغه اللاتينية ثم أضاف العهد الجديد وجعلهما فى مجلد واحد سمى بالفولجاتا أو "العامة او الشعبية." وأصبحت ترجمة جيروم هى الأساس لكل الترجمات التى تمت فى أوروبا حتى القرن السادس عشر.

    5. النسخه القبطية- من أول الترجمات إلى لغة خلاف العبرية واليونانية هى الترجمة القبطية فى مصر. لقد كان فى مصر القديمة أكثر من لهجة لللغة القبطية، فكان هناك لهجة أهل الجنوب (صاهيديك أو الصعيدية) ولهجة منطقة ممفيس والدلتا فى الشمال (بوهيريك او البحيرية). الترجمة القبطية معظمها بلهجة أهل الجنوب والتى بحسب أرتشر تعتبر الاقدم والتى تعود إلى القرن الثالث الميلادى. أقدم مخطوطة للترجمة القبطية تعود إلى القرن الرابع الميلادى.

    6. النسخه الاثيوبية - وتمت الترجمة الأثيوبيه للكتاب المقدس فى القرن الرابع الميلادى مع أن اقدم مخطوطاتها التى بين أيدينا اليوم تعود إلى القرن الثالث عشر، كما أنها ترجمت من اليونانية السبعينية او القبطية.

    7. الترجمة العربية- من الصعب معرفة عدد الترجمات العربية للكتاب المقدس فمن المؤكد انها كانت كثيرة يعود أقدمها إلى القرن السابع الميلادى، إلا ان ترجمة سعديا جوأن أعتبُرَت الأفضل،كونه يهودي الاصل قام سعديا بترجمة النص العبري مباشرة إلى العربية وكان ذلك سنة 930.

    8. الترجمة الأرمانية- تعود الترجمة الارمانية إلى القرن الخامس الميلادى وقد تمت تحت إشراف الاسقف إسحاق والراهب مسروب والذى يعتبر ايضاً مخترع الحروف الابجدية الارمانية ويعتقد أغلب العلماء ان النسخة الارمانية ترجمت من النص اليونانى.

    قراءة مختلفة 

    بالرغم من هذا الكم الهائل من المخطوطات والنسخ القديمة للكتاب المقدس والتى تؤكد بما لا يترك ابداً مجالأ للشك فى مصداقية الكتاب المقدس إلا انه يوجد من يعترض بالقول إن مخطوطات الكتاب المقدس تحتوى على أخطاء ويوجد للنص الواحد أحياناً اكثر من قراءة واحدة وأن هذه الاختلافات تؤثر على جوهر الرسالة والعقيدة المسيحية. للرد على هذا القول دعونى أولاً أقسمه إلى جزئين وهما: وجود اختلافات بين المخطوطات ومدى تأثير ذلك على الايمان المسيحي.

    لابد لنا ان نعترف بصحة هذا الادعاء ونقول انه بالتأكيد يوجد قراءات مختلفة لنفس النص بين المخطوطات المختلفة، فهذا كلام علمى صحيح لكن السؤال هو لماذا؟ يعود سبب وجود قراءات مختلفة إلى الكم الهائل الذى لدينا من مخطوطات، فمثلاً لو أن كلمة واحدة أسيئ إملاؤها في ألفي مخطوطة، فإنه يقال إن هناك ألفي "قراءة مختلفة" فى العهد الجديد. نحن لا نتحدث عن العشرات ولا حتى المئات بل بالألاف فعندما يوجد لدينا أكثر من 25000 مخطوطه ونسخه للكتاب المقدس فوجود قراءة مختلفة أمر وارد ولكن معظم هذه الاختلافات تعود إلى أخطاء يمكن أن يرتكبها أى إنسان يقوم بنسخ نسخة مكتوبة، فهى أخطاء فى المقام الأول هجائية أو نحوية، مثل ترك حرف او زيادة حرف او نسيان سطر...الخ كل هذه الاخطاء ارتكبها النساخ دون قصد ومثل هذه الاخطاء نجدها فى كل المخطوطات القديمة فى كل الاجيال والعصور ولهذا يمكننا ان نلاحظها بسهولة بمقارنة المخطوطات بعضها ببعض. مثال على ذلك فى رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكى 2: 7 حيث يصف الرسول بولس تصرفه وسلوكه مع سيلا تجاه المؤمنين الجدد فى زيارته لتسالونيكى فيقول "بل كنا مترفقين فى وسطكم" بعض المخطوطات تحتوى على قراءة مختلفة عن هذه وهى "بل كنا كأولاد صغار فى وسطكم" إن الاختلاف بين كلمة "مترفقين" و كلمة "أولاد صغار" يعود إلى إختلاف حرف واحد فى اللغة اليونانية وهو نيبيو / إبيو νηπιοι / ηπιοι يبدو أن الناسخ لم يكتب الحرف الأول حرف نيو سهواً وبهذا تغير المعنى من "مترفقين" إلى "أولاد صغار." طبعاً مثل هذا الاختلاف يمكننا ان ندركه كما أنه اختلاف لا يؤثر نهائياً على جوهر الرسالة والعقيدة المسيحية.

    أساس القراءة المختلفة

    قسم علماء المخطوطات أسباب وجود أكثر من قراءة للأسباب الاتية:

    1. أختلافات فى الهجاء كما هو موضح فى المثال السابق. يقول دانيال واللس ودارول بوك أن "الغالبية العظمى من الاختلافات هى اختلافات فى الهجاء والتى لا تؤثر على معنى النص.50"

    2. تغيرات بسيطة متشابهة ولا تؤثر على الترجمة. هذه التغيرات هى اكثر من مجرد أخطاء فى الهجاء ولكنها لا تؤثر على الترجمة ولا على فهمنا للنص. مثال لذلك هو استخدام أداة التعريف مع أسماء الاعلام، فمثلاً نجد فى النص اليونانى اداة التعريف تأتى قبل اسم مريم "المريم" وكذلك قبل أسم يوسف "اليوسف." طبعاً هذه الصيغة لا نجدها فى بقية اللغات ولهذا عندما يتم ترجمة النص اليونانى "المريم" إلى لغة أخرى تكتب فقط "مريم." كما ان اللغة اليونانية لانها لغة عالية التصريف فنجد مثلاً عبارة " أن يسوع احب خاصته" يمكن ان تقال بأكثر من 16 طريقة مختلفة ولكن فى الترجمة العربية او حتى الانجليزية نجد ان هذه العبارة تترجم بطريقة واحدة فقط. كما ان مثلاً كلمة "حب" باليونانى لها اربع كلمات مختلفة وكل كلمة تشير إلى نوع معين من الحب لكن المترجم إلى اللغة العربية لا يجد أمامه الا كلمة واحدة. سبب من أسباب الاختلاف بين المخطوطات هو ترجمة النص الكتابى إلى ترجمات مختلفة.
    3. السبب الثالث للاختلافات هو أن بعض المخطوطات وبالأخص التى تعود إلى العصور الوسطى كانت تكتب "انجيل المسيح" بدلاً من "انجيل الله" فى بعض النصوص: فمثلاً فى مخطوطة تعود إلى هذه الفترة نجد ان تسالونيكى الأولى 2: 9 تقرأ "إنجيل المسيح" بدلاً من "إنجيل الله" بينما كل المخطوطات السابقة نجد فيها القراءة الثانية "إنجيل الله" وبهذا يسهل علينا أن نقرر أن هذه القراءة هى الأصح. حتى هذه الاختلافات لا توثر على قراءتنا للنص ولا على جوهر الإيمان المسيحي.

    4. اختلاف نَحوى أو الفعل المستخدم وهذه الاختلافات لا تزيد عن نسبة 1 %، مثال على ذلك رومية 5: 1 "لنا سلام" بصيغة التأكيد. بعض المخطوطات نجد فيها "ليكون لنا سلام" بصيغة الاحتمال، هذا الاختلاف هو إختلاف فى حرف واحد ففى القراءة الأولى نجد ان صيغة التأكيد تستخدم الحرف اليونانى اوميكرون بينما القراءة الثانية تستخدم الحرف اوميجا. يؤثر ألاختلاف هنا على المعنى ففى الحالة الأولى "لنا سلام" يكون السلام هو عطية الله للمؤمن او الحالة التى فيها المؤمن نتيجة التبرير بالايمان، أما فى القراءة الثانية "ليكون لنا سلام" يكون السلام هو فى التمسك بالحق الالهي المعلن وعلى المؤمن ان يحافظ عليه. طبعاً هذان المعنيان لا يتعارضان مع رسالة الإنجيل بل نجدهما بوضوح على صفحات الكتاب المقدس.

      وهكذا يمكننا أن نقول أن النص الذى بين أيدينا قد وصلنا دون أن يُفقد منه أو يتغير فيه شئ يؤثر على الإيمان أو السلوك المسحيى. فألاف المخطوطات القديمة الموجودة من العهد الجديد مع التى تكتشف كل يوم تؤكد بما لا يترك أى مجال للشك أن العهد الجديد قد تم نقله لنا بأمانة ودقة متناهية تجعلنا واثقين ومطمئنين تماماً من جهة صحة العقيدة المسيحية.


    50Darrell L. Bock and Daniel Wallace, Dethroning Jesus: Exposing Popular Culture's Quest to Unseat the Biblicaal Christ, (Nashville: Thomas Nelson, 2007), 55.

    ملحق : الأناجيل الغنوسية 

    ماذا عن الاكتشافات الحديثة والتى تضمنت مخطوطات مسيحية تعود إلى القرن الثانى وحتى القرن الرابع الميلادي والتي تضمنت عدة اناجيل كإنجيل يهوذا وإنجيل توما وإنجيل فيلبس...الخ لكن لماذا لم تضاف هذه الأناجيل إلى العهد الجديد؟ ولماذا رفضتها الكنيسة؟ هل تقدم هذه الاناجيل صورة مختلفة للإيمان المسيحي تختلف عن تلك المتعارف عليها الان؟ وما مدى مصداقية هذه الاناجيل وهل اكتشافها وما تحتويه من تعاليم يمكن ان يؤثر على إيماننا المسيحي؟ هذه الاسئلة وغيرها مهمة جداً ان نخصص لها مكاناً خاصاً نحاول فيه ان نجيب بكل مصداقية وامانة علمية عليها وسنركز حديثنا عن إنجيلين فقط وهما إنجيل توما وإنجيل يهوذا.

    أولاً: إنجيل توما 

    شهدت فترة الأربعينيات اكتشافات عظيمة فى مجال المخطوطات، ففي سنة 1947م، اكتشفت مخطوطات قمران "البحر الميت" والمرتبطة بالعهد القديم، ثم بعد سنتين تم اكتشاف مخطوطات نجع حمادي بصعيد مصر سنة 1949م، والتي تعتبر كتابات مسيحية باللغة القبطية الصعيدية تقدم لنا صورة واضحة عن الفلسفة الغنوسية.51

    شملت مخطوطات نجع حمادى على 13 مخطوطة بداخلها 52 كتاب ولهذا اطلق عليها العلماء "مكتبة نجع حمادى" ضمن هذه الاكتشافات "انجيل توما."

    ملاحظات بخصوص إنجيل توما: 

    1. مع أن السفر يسمى بإنجيل توما إلا انه ليس إنجيلاً بالمفهوم المتعارف عليه كالأناجيل الأربعة. فهو لا يحتوي على قصة حياة المسيح ولا يذكر لنا شيئاً عن ميلاد يسوع وحياتة ومعجزاته وموته وقيامته.

    2. يتضمن السفر 114 مقوله منسوبة ليسوع، يقول مارفن ماير "يسوع فى إنجيل توما لا يصنع معجزات شفاء ولا يعلن تحقيق نبؤات ولا يعلن شيئاً عن المستقبل ونهاية الزمان...بل فقط يتحدث بحكمة الله كما أنه يقلل من قيمة النبؤات ويقدم الخلاص من خلال فهم لاقواله وليس الايمان."

    3. كأي كتاب غنوسى يدّعى إنجيل توما أن هذه الاقوال هى اقوال اعلنها له يسوع سراً "ألاقوال السرية التى قال يسوع الحى لتوما."

    4. يتفق كل علماء العهد الجديد ان توما تلميذ المسيح لم يكتب هذا الانجيل، وتاريخ كتابته يعود إلى القرن الثانى الميلادى. كما يحتوى السفر على تعاليم غنوسية تنادى بأن الخلاص يكون بالمعرفة وليس بالايمان.

      فمثلاً نقرأ قول يسوع "دع من يطلب يطلب حتى يجد ما يطلبه، وعندما يجد ما يطلبه سيندهش لانه سوف يسود على الاخرين بالمعرفة" فالمعرفة وايجاد المعرفة هو مفتاح الخلاص والسيادة.

    5. يقدم الإنجيل توما البطل والأفضل من باقي تلاميذ يسوع. ففى مقوله رقم 13 نقرأ عن سؤال يسوع لتلاميذه "قارنونى بأئ شئ وأي شخص وقولوا لي من أشبهه؟ فقال له بطرس "أنت تشبه ملاكاً" ومتى أجابه "أنت تشبه فيلسوفاً حكيماً" وأما توما فقال له "يا معلم، فمي لا يقدر أن ينطق ويقول من تشبهه" فقال يسوع "أنا لست معلمك لأنك سكران من الروح الذي أعطيته لك" ثم أخذ يسوع توما على انفراد وقال له ثلاثة أقوال. وعندما عاد توما سأله التلاميذ "ماذا قال لك يسوع" فأجابهم توما "اذا قلت لكم الأقوال التي قالها يسوع لى سوف ترجمونني بالحجارة وسوف تخرج نار من هذه الحجارة وتأكلكم."

    6. من الأقوال الغريبة التي يتضمنها إنجيل توما المقولة الأخيرة في الإنجيل رقم 114 والتي تقول أن بطرس جاء ليسوع وقال له "اجعل مريم تتركنا، فهى أنثى ولا تستحق أن تعيش" فأجابه يسوع "انظر، أنا سوف أقودها وأجعلها ذكراً حتى تصبح روحاً حياً يشبه الذكر، لأن كل انثى تجعل نفسها ذكراً تدخل المجال السماوي."

    7. يخلو انجيل توما من اى ذكر لأهم العقائد المسيحية، فهو لا يذكر شيئاً عن التجسد "الكلمة الذى صار جسداً"، كما انه لم يذكر شيئاً عن حياة يسوع ومعجزاته وفوق الكل أين الصليب والقيامة والتي تعتبر قلب الإيمان المسيحي والتى بدونها لا يوجد إيمان ولا رجاء ولا حتى إنجيل؟. فالإنجيل الصحيح هو الذى يقدم يسوع الذى مات من أجل خطايانا وانه دفن وقام فى اليوم الثالث بحسب الكتب وانه ظهر لكثيرين. لهذا السبب والاسباب التى ذكرناها والمرتبطة بالتعاليم الخاطئة الموجوده فى هذه الاناجيل رفضت الكنيسة الأولى هذه الاناجيل واعتبرتها هرطقات لا ترتقي إلى مستوى الكتب المقدسة التى كتبها أناس الله القديسون

    ثانيا: إنجيل يهوذا 

    إنجيل يهوذا هو مخطوطة قديمة تم اكتشافها بمدينة المنيا سنة 1978م، أي بعد اكتشافات نجع حمادى بحوالي 31 سنة. إنتقلت المخطوطة من القاهرة إلى سويسرا ثم اشترتها فريدة تيكاكوس من تاجر آثريات وتحف بأكثر من مليون دولار وأودعتها فى صندوق للأمانات تابع لسيتى بنك Citi Bankبنيويورك حتى سنة 2000. الاختبارات التى تمت على المخطوطة ترجح أنها تعود إلى القرن الثالث او الرابع الميلادي، كما يعتقد العلماء أن المخطوطة الحالية هى نسخه من مخطوطة أصلية تعود إلى القرن الثانى الميلادي. السبب فى ذلك يعود إلى أن القديس ايريناوس ذكر انجيل يهوذا فى كتابه "ضد الهراطقة" سنة 180 م. مما يؤكد أن الإنجيل كان موجوداً مع نهاية القرن الثانى الميلادى.

    ملاحظات بخصوص إنجيل يهوذا 

    1. تاريخ كتابة الانجيل فى نهاية القرن الثانى الميلادى يؤكد أن يهوذا الاسخريوطى ليس هو الكاتب الأصلي للإنجيل، فالأناجيل الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) تؤكد أن يهوذا شنق نفسه بعد أن سلم المسيح لليهود ليصلب، أي سنة 33م.

    2. يتكون الإنجيل من 33 قسماً مكتوبة فى 66 صفحه باللغة القبطية واللهجة الجنوبية الصعيدية.

    3. يبدأ الإنجيل بمقدمة بسيطة تؤكد أن الانجيل هو "إعلان" أعطاه يسوع ليهوذا قبل الفصح بثلاثة أيام.

    4. يقول يهوذا إن يسوع فى أغلب الأوقات كان يأتي للتلاميذ فى صورة طفل صغير. إنجيل توما يكرر نفس الشئ فى القول رقم 4 حيث نقرأ قول يسوع لتلاميذه "ان الشخص المتقدم في الأيام لم يتردد في أن يسأل طفلاً صغيراً عمره (سبعة أيام) عن مكان ومعنى الحياة."

    5. يقدم أنجيل يهوذا "يسوع الضاحك" وهى صورة شائعة عن يسوع فى الكتابات الغنوسية، حيث نقرأ عن يسوع الذى يضحك على التلاميذ وحتى على صلاة الشكر التى يصلونها.

    6. التلاميذ الغاضبون- عندما غضب التلاميذ قال لهم يسوع "الهكم الذى فيكم هو المسئول عن غضبكم" ثم قال لهم "ليتقدم الإنسان الكامل منكم إلى الامام، فلم يجرؤ أحد منهم ان يتقدم إلا يهوذا وحده.

    7. يهوذا البطل- يقدم الإنجيل صورة مختلفة عن يهوذا الإسخريوطي عكس ما هو مذكور في الأناجيل الأربعة. فيهوذا في إنجيله بطل ورجل إيمان وصاحب المعرفة الحقيقية عن يسوع. فسر الملكوت أعلن له فقط دون سائر التلاميذ، وفى اليوم الأخير يكون أعظم من باقي التلاميذ. كما نجد يهوذا صاحب الرؤيا. يقول الانجيل أن يهوذا رأى رؤيا فأخبر بها يسوع وقال له قد رأيت واذ التلاميذ يضطهدوننى ويمسكون بالحجارة ليرجمونني وأثناء ما هم يرجموننى رأيت واذ بيت عظيم ومقدس، فضحك يسوع وقال له هذا البيت لن يدخله أى فاسد.

    8. كيف خلق الكون- يقول الإنجيل أن الروح خلق ملاكاً ليكون معه وسمى هذا الملاك أسم "المولود بذاته" والمعروف أيضاً باسم السحاب والنور. ثم هذا الملاك الأول خلق اربعة ملائكة اخرى لتكون معه. بالنسبة لخلق أدم يقول الانجيل أن ادم خلق فى السماء قبل ان يخلق على الارض ليكون نموذج للإنسانية وكذلك شيث ونسله الذى لا يفسد، يهوذا ولد من نسل شيث النسل المقدس.

    9. يتحدث الانجيل عن الثنائية حيث يوجد مجالان مجال سماوى عالٍ ومجال أسفل أرضي. فى المجال الأعلى يسود "إيل" وهو اسم من اسماء الله فى العهد القديم ويشاركه فى الحكم 12 حاكم "ملائكة سامية" على رأسهم نيبروا الذى خلقهم كلهم. أما المجال الأسفل ففيه يسود شيث والذي يدعى يسوع وهرماتوتا وجليليا ويوبال وادوريناوس.

    10. ساكلا هو الذى خلق الإنسان على صورته وشبهه وليس الله.

    11. - سأل يهوذا يسوع قائلاً "إلى متى سيعيش الإنسان؟" فأجابة يسوع "لماذا تسأل هذا السؤال؟" فقال يهوذا "لكى أعرف اذا كان الروح يموت أم لا؟" فقال له يسوع "أن الملاك ميخائيل أعطى البشر الروح كسلفة حتى يتمموا الخدمة.

    12. يهوذا يسلم يسوع- يقول يهوذا بأن يسوع ذهب ليصلى فى العلية بعد ان فارقه التلاميذ ولم يمكث معه الا يهوذا وحده. فجاء اليهود والكهنة ليمسكوا يسوع لكنهم كانوا خائفين من الشعب لان يسوع كان عندهم كنبي. فقال الكهنة ليهوذا "لماذا انت هنا" فقال لهم لافعل ما تريدون، ففعل يهوذا كما طلب منه الكهنة وسلم لهم يسوع وأخذ منهم المال.

    ملاحظات ختاميه: 
    يتضح مما سبق أن الكنيسة الأولى رفضت هذه الاناجيل وغيرها للأسباب الآتية:

    1. لم تكتب هذه الأناجيل بواسطة تلاميذ المسيح وحتى الأسماء التي تحملها كـ "يهوذا" أو "توما" هي أسماء أُعطيت لهذه الأسفار حتى يكون لها سلطان كباقى الكتب المقدسة.

    2. - تاريخ كتابة هذه الأسفار تاريخ متأخر جداً يعود إلى نهاية القرن الثاني الميلادي وبهذا يكون الكاتب ليس شاهد عيان للمسيح الذي قام من بين الأموات.

    3. هاجمت الكنيسة الأولى هذه الأسفار ولم يقتبس منها آباء الكنيسة تعاليمهم بل بالعكس اعتبروها من تعاليم الهراطقة.

    4. تحتوى الأناجيل على تعاليم مخالفة للعهد الجديد وروح العهد الجديد حيث تقول ما لم يقله الأناجيل الأربعة عن يسوع وتنادى بأن الخلاص هو بالمعرفة وليس بالإيمان بالمسيح الذي صلب من أجل خطايانا وأقيم من أجل تبريرنا.


    51الغنوسية هى فلسفة وثنية ممتزجه بالايمان المسيحي ترجع جذورها إلى ما قبل المسيحية بعدة قرون. مزجت الغنوسية بين الفلسفة الافلاطونية الحديثة والتى كانت تنادى بأن الله غير مدرك ولايتصل بالمادة، ولهذا لم يخلق الله هذا العالم المادى بل العالم خلقة بواسطة اللوجوس "كلمة الله." كما قالت الغنوسية ان المادة شر وأن البشر يصارعون من أجل التحرر من سجن الجسد. هذه الحرية تكون من خلال المعرفة السرية لله، كما نادت ايضاً بتناسخ الارواح أى ان الروح ممكن ان تعود فى أجساد أخرى. كلمة غنوسية مشتقه من الكلمة اليونانية "غنوسيس" اى المعرفة. وهى تؤمن بوجود أكثر من إله، الإله السامى الذى هو روح انبثق منه عدد من القوات الروحية اسمها الايونات. فمن الإله السامى خرج الابن ثم مجموعة من الايونات ومن هذه الايونات انبثقت الحكمة الذى منه انبثق كائن واعٍ استطاع ان يخلق الكون والإنسان على صورته. بعض الغنوسيين اعتقدوا فى الثنائية اى بوجود الهين إله الخير، الذى خلق كل ما هو روحي، وإله الشر الذى خلق كل ما هو مادى. فالروح هى من خلق إله الخير والتى وضعها إله الشر فى جسد مادى ولهذا فأن هدف البشرية هو الهروب من سجن الجسد والاتحاد بإله الخير. بالنسبة للغنوسية الخلاص ليس من الخطية بل من الحهل، جهل الحقائق الروحية والاسرار التى أعلنا يسوع لبعض تلاميذه، لانه بهذه المعرفة التى جاءت فى تعاليم المسيح وكشف اسراره يتم الخلاص. ولان الخلاص ليس من الخطية لا نجد تعاليم كثيرة فى كتبهم عن موت المسيح الكفارى بل التركيز كله على الاعلانات وكشف الاسرار واقوال المسيح كما هو واضح فى إنجيل توما ويهوذا.

    المراجع

    Archer, Gleason. A Survey of Old Testament Introduction. Chicago: Moody Press, 1994.
    Bart, Carl. Church Dogmatic, Vol. 1:2, Quoted by Edward Young, Thy Word is Truth, 255.
    Bock , Darrell L. and Daniel Wallace, Dethroning Jesus: Exposing Popular Culture's Quest to Unseat the Biblicaal Christ. Nashville: Thomas Nelson, 2007.
    Bruce, F. F. "Transmission and Translation of the Bible," The Expositor's Bible Commentary. Ed., Frank E. Gaebelein. Grand Rapids: Zondervan, 1979.
    Bruce, F. F. Biblical Exegesis in Qumran Texts. Grand Rapids: Eerdmans, 1959.
    Brooks, James A Mark, The New American Commentary. Gen. Ed., David S. Dockery. Nashville: Broadmas Prss, 1992.
    Carson, D.A. “Matthew” The Expositor’s Bible Commentary. Ed., Frank E. Gaebelein. Grand Rapids: Zondervan, 1979.
    Edwards, Brain. Nothing but the Truth: The Inspiration, Authority and History of the Bible Explained. New York: Evangelical Press, 2006.
    Erickson, Miller Systematic Theology. Grand Rapids: baker, 1983.
    Erickson, Millard J. Introducing Christian Doctrines. Grand Rapids: Baker, 1993.
    Fales, Richard M. "Archaeology and History attest to the Reliability of the Bible," in The Evidence Bible, Compiled by Ray Comfort, Bridge-Logos Publishers, Gainesville, FL, 2001.
    Fuller, Daniel P. "The Nature Of Biblical Inerrancy," in the American Scientific Affiliation Journal. XXIV/2 (June 1972) 50. Geisler, Norman. Christian Apologetics. Grand Rapids: Baker, 1976.
    Grudem, Wayne A. “Scripture’s Self – Attestation and the Problem of Formulating a Doctrine of Scripture,” in Scripture and Truth. Eds. by A. D. Carson and John Woodbridge. Grand Rapids:Baker, 1992.
    Grudem, Wayne. Systematic Theology: An Introduction to Biblical Doctrine. Grand Rapids: Zondervan, 1994.
    Inns, Peter. The Moody Handbook of Theology, Chicago: Moody Press, 1989.
    Lindsell, Harold. The Battle for the Bible. Grand Rapids: Zondervan, 1976.
    Lindblom, Johannes. Prophecy in Ancient Israel. Oxford: Blackwell, 1967.
    McDowell, Josh & Bill Wilson. A Ready Defense, Nashville: Thomas Nelson, 1993.
    McDowell, Josh. The New Evidence that Demands a Verdict. Nashville: Thomas Nelson.
    Metsger, Bruce Textual Commentary on the New Testament, New York: United Bible Societies, 1971.
    Montgomery, John Warwick, God's Inerrant Word. Minneapolis: Bethany Fellowship Inc., 1973.
    Paker, James I. “A Lamp in A Dark Place,” in Can We Trust the Bible. Wheaton: Tyndale, 1979.
    Pratcher, R. G. and E. A. Nida, Translator's Handbook on Mark. Leiden: E. J. Brill, 1961.
    Prochsch, Theological Dictionary of the New Testament. Eds. Gerhard Kittel and Gerhard Friedrich. Grand Rapids: Eerdmans, 1974.
    Richhorst, William R. The Issue of Biblical Inerrancy: In Definition and Defense. Mas: Winnipeg Bible College.
    Ryrie, Charles. Sintesis De Doctrina Biblical: Survey of Bible Doctrine. Grand Rapids: Kregel, 1995.
    Vos, Geerhardus. The Teaching of Jesus Concerning the Kingdom of God and the Church. Grand Rapids: Baker, 1951.
    Warfield, Benjamin. The Inspiration and the Authority of the Bible. Philadelphia: Presbyterian and Reform Press, 1948.
    Warfield, B.B. An Introduction to the Textual Criticism of the New Testament. New York: Whittaker, 1890.
    Wenham, John. Christ and the Bible. Grand Rapids: Baker, 1994.
    Young, Edward J. Thy Word is Truth. Grand Rapids: Eerdmans, 1957.
    http://www.christiantoday.com/article/nt.scholar.on.discovery.of.giant.trove.of.bible.manuscrits